Author

رفع كفاءة الرسوم على الأراضي وزيادة فعاليتها

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
امتدادا لمناقشة التفعيل الكامل للحلول اللازمة للحد من التضخم العقاري الراهن في أسعار الأراضي والمنتجات العقارية المختلفة، والتوسع بالحديث حول تفاصيل تلك الحلول، التي سبق التطرق إلى أهمها خلال الفترة الراهنة في المقالات الأخيرة، والتأكيد على اثنين منها: الأول: المرتبط بالتفعيل الأسرع لتطبيق المراحل التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي، ورفع كفاءة تطبيق النظام بما يسهم في تحقق أهدافه الرئيسة، وهو الموضوع الرئيس لهذا المقال، الذي سيتم التوسع في مناقشته واستعراضه. الثاني: العمل على مراجعة منهجية التمويل العقاري الراهنة، والضوابط المتعلقة بسداد الأقساط المستحقة على المستفيدين، وهو ما سيتركز عنه الحديث في المقال المقبل بمشيئة الله تعالى.
لا يقف الحديث حول نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات عند مجرد التأكيد على الإسراع بتطبيق بقية المراحل التنفيذية، بل يتجاوزه إلى رفع كفاءة التطبيق لأي من تلك المراحل، وزيادة تأثيرها الإيجابي في جانب العرض في السوق العقارية، وهو بالتأكيد الجانب الأعلى أهمية في أي نظام أو سياسات تستهدف التطوير والإصلاح.
فوفقا لما تم تطبيقه كمرحلة تنفيذية أولى من النظام في كل من الرياض وجدة والدمام ومكة المكرمة حتى تاريخه، وما أظهرته من تطورات ونتائج يمكن إيجازها في التالي: (1) بدأت بالتطبيق على مساحة إجمالية ناهزت 411.5 مليون متر مربع في المدن الأربع الرئيسة أعلاه، قام عدد من الملاك بتطوير ما مساحته 14.4 مليون متر مربع “3.3 في المائة من إجمالي المساحة نهاية الفترة”، مقابل تسجيل مساحات أراض أخرى منها تأخر ملاكها في تسجيلها في البرنامج، وصل إجمالي مساحة تلك الأراضي إلى 41.1 مليون متر مربع “9.4 في المائة من إجمالي المساحة نهاية الفترة”، ونتج عن هذه التطورات طوال الأعوام الماضية حتى تاريخه أن ارتفعت المساحة بنسبة 6.5 في المائة إلى نحو 438.2 مليون متر مربع، بعد خصم مساحة ما تم تطويره، وإضافة ما تم تسجيله من أراي تأخر ملاكها في تسجيلها.
(2) بلغ إجمالي ما تم صرفه من متحصلات نظام الرسوم على الأراضي البيضاء على مشاريع الإسكان خلال الفترة أكثر من 1.97 مليار ريال “0.5 في المائة من إجمالي القروض العقارية للأفراد خلال الفترة كانون الثاني (يناير) 2017 ـ أيلول (سبتمبر) 2021 البالغ حجمها 384.5 مليار ريال”، عملا بنص الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء: “تحدد الوزارة أوجه الصرف -من الحساب الخاص بمبالغ الرسوم والغرامات المحصلة- على مشاريع الإسكان، وإيصال المرافق العامة إليها، وتوفير الخدمات العامة فيها”، مع الإشارة إلى عدم معرفة حجم ما تم تحصيله من رسوم الأراضي البيضاء، نظرا لعدم إعلانها في جميع التقارير السنوية الصادرة عن الوزارة.
يفيد جدا استعراض وفهم نتائج ما تقدم ذكره أعلاه، في التعرف بصورة أفضل على مواطن الضعف والقوة التي ارتبطت بمنهجية التطبيق، والخروج من ثم بمقترحات مهمة جدا، يمكن معها إضافة مزيد من الكفاءة والفعالية على نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وصولا إلى تحقيق أعلى غلة ممكنة من الأهداف الرئيسة للنظام حسبما ورد في المادة الثانية منه، وهي كالآتي: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. وهي الأهداف التي أصبح واضحا لدى الجميع أن ما تحقق على أرض الواقع طوال الأعوام الماضية، ما زال بعيدا عنها بمسافة بعيدة، سواء على مستوى المعروض من الأراضي المطورة، أو مستوى الأسعار، أو على مستوى القضاء على الممارسات الاحتكارية والمضاربات على الأراضي.
ينطلق الجانب الرئيس لرفع كفاءة وفعالية نظام الرسوم من اعتماد احتساب تكلفة رسم الأرض بناء على سعرها السوقي “وفق التقييم المعتمد من الجهات المرخصة”، لا بناء على المنهجية الراهنة التي تعتمد على توافر الخدمات والبنى التحتية للأرض، وهي العوامل التي لا تشكل وزنا كبيرا في السعر السوقي الراهن، ويعد الفارق بين السعرين كبيرا جدا، فقد تجد أرضا خاما “مساحة 1.0 مليون متر مربع كمثال” يصل السعر سوقيا لمترها المربع إلى نحو 1000 ريال للمتر المربع “ستصل تكلفة الرسم وفق هذه المنهجية المطلوبة إلى 25 مليون ريال”، وقد لا يقبل المالك البيع به بحثا عن أعلى منه، في الوقت ذاته قد تأتي نتيجة تطبيق المنهجية الراهنة لاحتساب الرسم واجب الدفع باعتبار السعر مساويا لـ 50 ريالا للمتر المربع على سبيل المثال، وبناء عليه يتم احتساب تكلفة الرسم “لا تتجاوز 1.25 مليون ريال وفق المثال هنا”.
يتأكد مما تقدم أعلاه: أن أحد أهم أسباب ضعف تأثير ما تم تطبيقه من النظام على السوق العقارية قد أتى من هذه المنهجية التي تقف بعيدة خارج نطاق تعاملات السوق، وخارج مفاوضات البائعين والمشترين، وهذا بدوره تسبب في فقدها الكفاءة والفعالية اللازمة، وأضعف كثيرا من قدرة النظام من الوصول إلى مستهدفاته الرئيسة، ويثبت في الوقت ذاته أن رفع كفاءة النظام، تنطلق من تغيير تلك المنهجية لاحتساب تكلفة الرسم، إلى أقرب منطقة من تعاملات السوق ومفاوضات أطرافه، بالوقوف على السعر السوقي الراهن وقت احتساب تكلفة الرسم.
ثم تأتي أهمية الإسراع باستكمال بقية المراحل التنفيذية التالية من النظام، وهو الأمر الذي أثبتت تطورات السوق العقارية الراهنة، من تسارع وتيرة ارتفاعات الأسعار، مرورا بندرة المعروض من الأراضي سواء لمصلحة التطوير أو ببيعها للمستهلك النهائي، وانتهاء بالتضخم الصاعد الذي ما زالت تشهده مختلف الأصول العقارية في السوق، التي من المؤكد أنها ستتخذ مسارا مختلفا تماما عما هي عليه الآن، متى ما تم رفع كفاءة وفعالية النظام حسبما هو مقترح أعلاه، ومتى ما تقدم بخطا أسرع تطبيق بقية المراحل التنفيذية التي نص عليها النظام. وفي المقال التالي سيتم بإذن الله تعالى استكمال الحديث عن تفاصيل الحل الثاني المتعلق بمراجعة منهجية التمويل العقاري الراهنة وضوابطه المقترحة.
إنشرها