الحوسبة الكمية تخرج من الظل إلى الأسواق العامة
التعقيدات المحيرة للعقل للحوسبة الكمية ما زالت إلى حد كبير مجالا لعدد قليل من الفيزيائيين اللامعين. لكن سيتعين على المستثمرين الآن التعامل مع المفهوم الذي وصف بأنه مستقبل الحوسبة، ومع مصطلحات مثل الكيوبت، مع خروج القطاع من الظل إلى الأسواق العامة.
في هذا الشهر وحده أعلنت شركتان ناشئتان لديهما مخططات لصناعة حاسوب كمي ظهورهما لأول مرة في أسواق الأسهم. أصبحت "آيون كيو" IonQ أول شركة حوسبة كمية على الإطلاق يتم إدراجها في بورصة نيويورك. تبلغ قيمتها السوقية الآن نحو ملياري دولار.
بعد أسبوع، أعلنت شركة ريجيتي كومبيوتينج Rigetti Computing أيضا أنها ستطرح أسهمها للتداول من خلال الاستحواذ عليها من قبل شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، وهي نوع من الشركات الخاملة المدرجة. تقدر الصفقة قيمتها بـ1.5 مليار دولار.
هاتان الشركتان ليستا وحدهما - هناك مجموعة من الشركات التي لديها أفكار متنافسة لتصاميم الحوسبة الكمية كانت منشغلة بجمع رأس المال الخاص.
في تموز (يوليو)، جمعت "بساي كوانتوم" PsiQuantum ـ التي أسسها علماء فيزياء بريطانيون في وادي السيليكون وكانت تعمل بعيدا عن الأنظار حتى وقت قريب ـ 450 مليون دولار من مستثمرين مثل "بلاك روك" و"بيلي جيفورد" بقيمة تزيد على ثلاثة مليارات دولار لخطتها الطموحة لبناء حاسوب كمي قابل للعمل تجاريا بحلول 2025.
قبل شهر، وافقت شركة هوني ويل على ضخ 300 مليون دولار في وحدتها الكمية بعد الاندماج مع شركة كامبريدج للحوسبة الكمية في المملكة المتحدة، مع ترك رئيسها التنفيذي المجال مفتوحا أمام إمكانية طرحها للاكتتاب العام.
الاندفاع للاستثمار في هذه الجهود المبذولة في المراحل المبكرة، إلى جانب مجموعة من الشركات الناشئة الجديدة التي تأتي من معامل الجامعات في أماكن تتنوع من سيدني إلى ساسكس، يمثل نقطة تحول في كيفية رؤية مجتمع الاستثمار للحوسبة الكمية. المجال البالغ من العمر 35 عاما يتحول أخيرا من جهود علمية إلى صناعة مزدهرة.
تتركز التكنولوجيا على استخدام البت أو الكيوبت الكمي، وهي وحدات معلومات. على عكس العناصر الثنائية الأساسية لأجهزة الحاسوب الكلاسيكية، أو وحدات البت التي تمثل إما الأصفار وإما الآحاد، يمكن لوحدات الكيوبت أن تمثل كليهما في الوقت نفسه.
من خلال استغلال مبدأ "التراكب" هذا، يمكن لأجهزة الحاسوب الكمية أن تحل نظريا مشكلات تتجاوز بكثير قدرة أقوى أجهزة الحاسوب العملاقة التقليدية في مجالات تتنوع من التشفير والكيمياء إلى الخدمات اللوجستية والتمويل والطاقة.
اتخذت الشركات والباحثون خطوات مهمة نحو تطوير أجهزة حاسوب كمية صغيرة الحجم، في حدود 100 كيوبت. يمكن لهذه الآلات الكمية الوسيطة أن تؤدي فقط المهام نفسها التي تؤديها أجهزة الحاسوب التقليدية، لكن بشكل أسرع كثيرا.
وفقا لبيتر نايت، أستاذ البصريات الكمية في إمبريال كوليدج لندن، كان هناك "تقدم ملحوظ للغاية"، مضيفا، "في 1996 كانت هناك فجوة كبيرة بين التجارب التي يمكن أن تنتجها بالفعل في المعامل وما هو مطلوب من حيث الحوسبة، وكنا نراهن على المدة التي سيستغرقها سد هذه الفجوة". قال بعضهم 20 عاما وقال بعض آخر لا يمكن إغلاقها. لكنها في الحقيقة أغلقت خلال 20 عاما تقريبا".
على الرغم من ذلك، يعتقد أن الحاسوب الكمي الحقيقي، الذي يمكنه إجراء عمليات حسابية على نطاق واسع لا يستطيع الحاسوب التقليدي إجراءها، سيستغرق ابتكاره عقدا من الزمان على الأقل. لا تزال هناك تحديات فنية ضخمة تنتظرنا.
عندما يتفاعل كثير من وحدات الكيوبت مع بعضها بعضا، مثلا، يكون هناك كثير من "الضوضاء" في النظام، ما يجعل من الصعب استخراج معلومات مفيدة. إضافة إلى ذلك، أجهزة النماذج الأولية الحالية غير قادرة على التصحيح أثناء العملية إذا أخطأت في حساباتها.
هناك أيضا تحديات هندسية كبيرة لتوسيع نطاق الأنظمة التي تستخدم حاليا 100 كيوبت لإنشاء آلات تعمل بمليون كيوبت أو أكثر. لكن مع تحول الحوسبة الكمية من الفيزياء إلى تخصص هندسي، أصبح كبار المستثمرين يدركون إمكاناتها ويراهنون على تكنولوجيا غير مثبتة.
قال ريتشارد شانون، محلل تكنولوجيا الأجهزة في كريج هالوم كابيتال جروب، "إنهم يقومون بمهمة طويلة المدى هنا، لكن هناك أدلة تجريبية كافية ومسار تحسن". أضاف، "لم أكن أتخيل أن هذه الشركات ستطرح للاكتتاب العام، لكن لدينا بيئة استثنائية هنا من الناحية المالية. هناك كثير من الأموال المتدفقة حول أسواق الأسهم والديون رخيصة للغاية".
قد يتعين على المستثمرين التحلي بالصبر لعقد آخر على الأقل، لكن الجائزة المحتملة للقطاع مبهرة. إذا كان لدينا جهاز حاسوب كمي عالي الأداء بقدرة 300 كيوبت، فيمكنهم إجراء مزيد من العمليات الحسابية في وقت واحد أكثر من عدد الذرات الموجودة في الكون المرئي. كما يوضح نايت، "مهما كان (عدد) التطبيقات التي فكرت فيها، من المؤكد سيكون هناك مليون تطبيق آخر".