سندات الأسواق الناشئة ضحية للمشاعر المتقلبة

سندات الأسواق الناشئة ضحية للمشاعر المتقلبة

بعضهم ينظر إلى سندات الأسواق الناشئة، في كثير من الأحيان، على أنها لعبة قوية في عالم الاستثمار في الدخل الثابت، إلا أن بعضا آخر يرى أن هذا المجال برمته يعتمد بشكل كبير على المشاعر المتقلبة.
في مطلع هذا العام، عادت هذه الفئة من الأصول إلى رواجها بعد بضعة أشهر فقط قضتها في الحضيض في الربع الثاني من 2020 عندما حطمت التدفقات الخارجة الأرقام القياسية في خضم بدايات جائحة فيروس كورونا، التي ضربت العالم.
ثم ما لبث المستثمرون أن عادوا بشكل جماعي. حينها كانت الآمال في الانتشار السريع للقاحات تكبر، وكان ينظر إلى فوز جو بايدن الرئاسي على أنه حدث إيجابي للعولمة والتجارة عبر الحدود. في الوقت نفسه، كانت السياسة النقدية المتساهلة بشكل غير عادي في العالم المتقدم تعني "التزاحم في الأسواق الناشئة"، كما يقول جوناثان فورتون، الخبير الاقتصادي في معهد التمويل الدولي، وهو اتحاد لصناعة المال.
سارعت حكومات الأسواق الناشئة إلى الاستفادة من هذه الأحداث المواتية عن طريق موجة من إصدارات السندات، التي كانت مستمرة في إثارة تدفقات أعلى. لكن، كما هي الحال غالبا في البلدان النامية التي تعمها الفوضى والاضطرابات، ليس من المقدر للأوقات الجيدة أن تدوم فيها.
يقول بول غرير، مدير محفظة أسواق الدين الناشئة في شركة فيديليتي إنترناشونال: "كانت الكواليس أكثر تحديا للأسواق الناشئة في 2021 مما توقعه كثير من الناس". يضيف: "على مدار الأشهر التسعة الماضية، ولأسباب مختلفة، كان هناك اعتقاد أن السوق كانت تضعف على الرغم من النغمة الإيجابية المتفائلة التي شهدتها خلال فترة أعياد الميلاد".
حتى الآن هذا العام، حققت السندات الحكومية بالعملة الصعبة في الأسواق الناشئة عائدات إجمالية 0.3 في المائة فقط. والأسوأ من ذلك، أن المستثمرين خسروا في الديون السيادية بالعملة المحلية 4.8 في المائة بسبب ضعف عملاتهم مقابل الدولار، وكانت النقطة الإيجابية هي العائد البالغ 2.2 في المائة الذي حققته سندات الشركات المقومة بالعملات الصعبة مثل الدولار واليورو.
يشير غرير بأصابع الاتهام إلى السيطرة غير المتوقعة للديمقراطيين الأمريكيين على كلا مجلسي الكونجرس، ما فتح الباب أمام مستويات غير مسبوقة من التحفيز المالي في عهد الرئيس بايدن، وزيادة أسعار الفائدة، وتعزيز الدولار.
يقول: "منذ سباق مجلس الشيوخ في جورجيا (الذي منح الديمقراطيين السيطرة)، بدأت عوائد سندات الخزانة في الارتفاع". يضيف: "منذ ذلك الحين، قمنا بإزاحة المخاطر. نحن الآن أقل تفاؤلا بكثير بشأن الأسواق الناشئة".
من جانبه، قال غريغوري سميث، مدير صندوق الأسواق الناشئة في "إم آند جي إنفيستمنتس": "لقد رأينا نغمة أكثر تشددا من الاحتياطي الفيدرالي مع عودة العافية إلى الاقتصاد الأمريكي"، مشيرا إلى أن ارتفاع عائد السندات الأمريكية لأجل عشرة أعوام يضر الأسواق الناشئة.
كذلك زادت عوامل أخرى من كآبة المشهد. يشير سميث إلى المتحور دلتا، الذي يجعل الجائحة "أكثر ضراوة" في بلدان مثل الهند وإندونيسيا، بينما "أولئك الذين يطبقون نهج صفر كوفيد مثل الصين عانوا كثيرا لإيقاف انتشار الفيروس".
يقول فورتون: " النمو مهم لقد بدأنا في تحقيق نمو أضعف (في الأسواق الناشئة) بسبب المتحور دلتا، وأيضا بسبب ضعف الطلب الداخلي جراء نقص الحيز المالي (وهو حيز للإنفاق في الميزانية الحكومية) الذي يتاح إليه عديد من البلدان في المستقبل، وفوق هذا كله نقص اللقاحات".
يضيف غرير: "تتمتع الأسواق الناشئة بنسبة نمو أعلى منها في الأسواق المتقدمة- ولهذا السبب يستثمر كثير من الناس في فئة الأصول هذه. لكن يبدو أننا وصلنا إلى ذروة النمو العالمي الآن". يجادل بأن بكين "استبعدت النمو من رأس الأولويات (...) مع تأرجح البندول نحو إدارة الأوضاع المالية والحصافة المالية"، إضافة إلى معالجة عدم المساواة.
يشير غرير كذلك إلى أن الصين هي أيضا "محرك النمو" لدى عديد من الأسواق الناشئة الأخرى من خلال طلبها على سلعها الأساسية. وهو يخشى أن يؤدي ضعف النمو في الصين إلى ضعف العملات في أرجاء العالم النامي.
يدرك المستثمرون هذه التطورات. وفقا لمعهد التمويل الدولي، تحولت التدفقات العابرة للحدود إلى ديون الأسواق الناشئة غير الصينية إلى سلبية، للمرة الأولى خلال عام، في آب (أغسطس). ومع أن الصين كانت لا تزال تجتذب الأموال في ذلك الوقت، إلا أن التدفقات الأسبوعية في الأسهم الصينية تحولت إلى سلبية في منتصف أيلول (سبتمبر)، ما ينذر بضعف الطلب على الدخل الثابت أيضا.
كانت الصين تستفيد من التدفقات الداخلة، التي نجمت عن إدراج البلاد في مؤشرات الأسهم والسندات الرئيسة في العالم، لكن فورتون يعتقد أن عمليات الشراء، التي مثل هذه "اكتملت إلى حد كبير" الآن، ويتوقع أن يكون الربع الثالث ثابتا من حيث تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة.
ويستمر غرير في تحري أسباب أخرى تدعو مراقبي السندات في هذه الفئة للاختباء خلف آرائكهم. ففي الوقت، الذي يتعثر فيه النمو العالمي، يظل الخوف من التضخم آخذا في الازدياد، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشديد السياسات النقدية وظهور رياح عكسية تعصف بالأصول عالية المخاطر.
لكن على الجانب المشرق من هذا كله، يشير غرير إلى أن العوائد "أعلى بكثير" مما هي عليه في الأسواق المتقدمة، وهذا أحد العوامل المهمة في "عالم متعطش للدخل"، في حين أن بعض الجيوب في القطاع مثل روسيا وزامبيا والإكوادور "حققت أداء جيدا بشكل مذهل هذا العام".
يقول أيضا: "إننا نتقاضى رواتبنا مقابل الخوض في بعض المخاطر، ولكن ليس فيها كلها".
من ناحيته، يشير سميث إلى "الاحتياطيات الشبيهة بالحصن"، التي تراكمت لدى عديد من الدول الآسيوية منذ الأزمة المالية في تسعينيات القرن الماضي، التي زادت حصتها بسبب حقوق السحب الخاصة البالغة 650 مليار دولار، المقدمة من صندوق النقد الدولي في آب (أغسطس).
علاوة على ذلك، تقترض الأسواق الناشئة بشكل متزايد بعملاتها الخاصة، ما يقلل من مخاطر صرف العملات الأجنبية، والحسابات الجارية في حال أفضل الآن مما كانت عليه خلال "نوبة الغضب التدريجي" الشائنة في 2013، التي أدت آنذاك إلى عمليات بيع واسعة النطاق في فئة الأصول هذه.
يعترف فورتن، على الرغم من ذلك، قائلا إن هناك "أشياء تقض مضجعي في الليل"، بما في ذلك صدقية سياسة البنوك المركزية ونقص الحيز المالي في البلدان المثقلة بالديون.
يضيف: "من بين الأسواق المتقدمة، أثبتت كل من اليابان والمملكة المتحدة، إمكانية الحصول على حيز مالي دون (أن يبدو أن لديك) حيزا ماليا، لكننا لا نعرف ما إذا كان التقييم نفسه سيعمل به في الأسواق الناشئة".

الأكثر قراءة