FINANCIAL TIMES

النظر عبر عدسة كوفيد .. أمريكا وبريطانيا خلف تايوان والنرويج

النظر عبر عدسة كوفيد .. أمريكا وبريطانيا خلف تايوان والنرويج

عمليات الإغلاق الصارمة والسريعة للحدود، المدعومة بالحجر الصحي وأقنعة الوجه، ساعدت تايوان في التصدي للجائحة والخروج بأخف الأضرار.

قد يكون البريطانيون مهووسين بخدماتهم الصحية الوطنية، والأمريكيون بابتكاراتهم في مجال الرعاية الصحية وأطبائهم المميزين، لكن عندما تنظر إليهم من خلال عدسة فيروس كورونا تجد أن دولا أخرى، من تايوان إلى النرويج، قدمت رعاية صحية لمواطنيها بشكل أفضل.
بينما يتفكر صانعو السياسات في دروس كوفيد - 19، تم التخلص من كثير من الافتراضات حول أفضل الطرق لتحسين تقديم الرعاية الصحية بشكل عام - والاستعداد للأوبئة على وجه الخصوص. المقاييس التي كان ينظر إليها في السابق على أنها تنبؤات موثوقة للأداء أثبتت أنها غير كافية.
منذ عام 2005، مثلا، قادت منظمة الصحة العالمية تقييما خارجيا مشتركا لتحليل استعدادات البلدان للوباء، بما يتماشى مع إرشادات اللوائح الصحية الدولية.
في عام 2019، أجاب مؤشر الأمن الصحي العالمي - الذي تشرف عليه مبادرة التهديد النووي ومركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، الذي نصح به 21 خبيرا دوليا - عن 140 سؤالا حول 195 دولة لتقييم أيها أفضل استعدادا لمواجهة الأوبئة.
سجلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة درجات عالية جدا في كلا الاختبارين، لكن لم يكن لذلك أهمية تذكر عندما حل فيروس كورونا. شهد البلدان أكبر المجاميع التراكمية "للوفيات الزائدة" لكل مليون وكذلك الحال بالنسبة لتأثيرات الوباء غير المباشرة على الحالات الطبية الأخرى. ومن بين الدول التي كان أداؤها أفضل بكثير تايوان وكوريا الجنوبية والفلبين.
يقول هانز كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأوروبا، الذي أصدر الشهر الماضي نتائج لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة: "لم يعكس مؤشر الأمن الصحي العالمي الواقع، الأنظمة الصحية التي اعتبرت قوية جدا في التقييم الخارجي المشترك غمرت. هذا هو الوقت المناسب لإعادة التفكير في الاستعداد".
يشير كلوج إلى أن أحد التحذيرات هو أن العالم لا يزال في خضم جائحة سريعة التغير. في أوقات مختلفة، بدت البلدان المختلفة أكثر أو أقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا وأكثر أو أقل فاعلية في استجاباتها.
الهند وعدد من الدول الإفريقية، مثلا، كانت محمية في البداية من دخول المستشفيات على نطاق واسع، لكنها عانت لاحقا من العدوى من خلال السلالات المتحورة الجديدة للفيروس. كان أداء اليابان جيدا مع استخدام أدوات مكافحة العدوى، بما في ذلك أقنعة الوجه، لكنها كانت أبطأ في اعتماد التطعيم. وسرعان ما قامت إسرائيل بالتطعيم وخففت عمليات الإغلاق وتراجعت منذ ذلك الحين بسبب عودة ظهور الحالات.
يقول كريس موراي، رئيس معهد القياسات الصحية والتقييم، وهو مركز للأبحاث في سياتل: "كل تفكيرنا السابق حول كيفية حماية الناس يحتاج إلى تغيير. تبين أن البيانات السابقة حول تدابير الاستعداد للجائحة لم يتنبأ بها".
لاحظ أن أفضل التدخلات للتخفيف من الوباء تضمنت عمليات إغلاق صارمة وسريعة للحدود، مدعومة بالحجر الصحي - ما ساعد تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وهونج كونج على الأداء الجيد. كانت أقنعة الوجه وعمليات الإغلاق مفيدة أيضا، إلى جانب الترتيبات السريعة والفعالة لإجراء الفحص وتعقب وعزل الأشخاص المصابين.
كان العامل المحوري في النجاح النسبي لهذه البلدان هو مزيج من الضغط المجتمعي والثقة بالحكومة والخبرة في تفشي الأمراض في الماضي - ولا سيما مرض سارس في 2002 ـ 2004.
روب ييتس، مدير برنامج الصحة العالمية في تشاتام هاوس، وهي مؤسسة فكرية للشؤون الدولية، يسلط الضوء على أهمية الكفاءة السياسية. يقول: "القيادة هي الشيء الذي غالبا ما يتم إهماله".
للحماية من الأوبئة في المستقبل، دعا بيل جيتس، رجل الأعمال وفاعل الخير، إلى إنشاء فريق دولي من ثلاثة آلاف فرد من "المستجيبين الأوائل" المتخصصين في الأمراض المعدية. ويجادل بأن مزيدا من الاستثمار مطلوب لتطوير أنظمة الكشف عن الأمراض الناشئة، إلى جانب استخدام التكنولوجيا، مثل لقاحات الحمض النووي الريبي، التي يمكن زيادة إنتاجها بسرعة.
يضيف: "أنت بحاجة إلى التدرب والحفاظ على الطاقة. لا تفعل أشياء صغيرة (...) عندما تأتي جائحة كبيرة، فأنت ستكون غير مستعد".
لكن التأهب للوباء ليس سوى جانب واحد من جوانب الرعاية الصحية، ويحذر كثيرون من استخدامه بديلا لجودة النظم الصحية الوطنية. الصحة مجال معقد، وأي مقاييس مفترضة تحتاج إلى التعامل معها بحذر.
مع ذلك، أحد أكبر العوامل التي ارتبطت بارتفاع معدل الوفيات عبر البلدان أثناء الوباء كانت الظروف الصحية الأساسية للمواطنين. كانت البلدان التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بمرض السكري والسمنة أكثر عرضة لأن تعاني أعدادا كبيرة من وفيات كوفيد - 19.
يشير ذلك إلى أن العوامل، بما في ذلك التغطية الصحية الشاملة والرعاية الأولية عالية الجودة، يمكن أن توفر الحماية، إلى جانب الجهود المبذولة لتوجيه الموارد نحو الوقاية – مثلا، من خلال حوافز لممارسة الرياضة والقيود المفروضة على التدخين أو الأطعمة غير الصحية.
قد تفسر هذه الميزات الهيكلية الأوسع نطاقا سبب إثبات المسح المنتظم الذي أجراه صندوق الكومنولث، وهو مؤسسة رعاية صحية مقرها الولايات المتحدة، أنه مؤشر جيد نسبيا للوفيات الزائدة جراء فيروس كورونا. وهو يصنف خدمات الرعاية الصحية في 11 دولة غنية من خلال التركيز على العوامل النظامية: الوصول إلى الرعاية، وعملية الرعاية، والكفاءة الإدارية، ونتائج الإنصاف، والرعاية الصحية. في الإصدار الأخير، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأخيرة والمملكة المتحدة المرتبة الرابعة. النرويج لديها أفضل نظام، تليها هولندا وأستراليا. تنفق جميع البلدان الأخرى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة أقل كثيرا مما تنفقه الولايات المتحدة، ما يشير إلى أن السياسة الاجتماعية وهياكل النظام الصحي أكثر أهمية من الموارد وحدها.
"في النرويج، لدينا دولة توفر الرفاهية لشعبها ونظام ضمان اجتماعي قويين"، كما يقول جون آرني روتنجن، سفير النرويج العالمي للصحة. ويعزو انخفاض معدل الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في بلاده إلى انخفاض عبء الأمراض المزمنة، فضلا عن انخفاض الكثافة السكانية - مقارنة بجارتها السويد التي تم التباهي بها في البداية – ونظام أفضل للتمريض ورعاية كبار السن.
جيسيكا بيل، التي تشرف على إصدار جديد من مؤشر الأمن الصحي العالمي، المقرر إصداره في وقت لاحق من هذا العام، تقر بأهمية هذه العوامل في تحديد قوة ومرونة الأنظمة الصحية. تقول: "ما رأيناه مع كوفيد كان تأثيرا هائلا للقيادة السياسية والثقة بالحكومة والوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلد". ستستمر هذه العوامل في التأثير لفترة طويلة حتى بعد انحسار كوفيد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES