«سينس تايم» .. هل تصبح بطلا صينيا في عالم الذكاء الاصطناعي؟
«سينس تايم» .. هل تصبح بطلا صينيا في عالم الذكاء الاصطناعي؟
قبل ثلاثة أعوام، قال تانج شياو مازحا أمام جمهور في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن شركته، سينس تايم SenseTime هي أول ما تبادر إلى الذهن على الفور عندما تحدث الناس عن الذكاء الاصطناعي، وليست "جوجل".
الآن تستعد "سينس تايم"، التي تعد واحدة من أروع آمال الصين لتحقيق خطتها لقيادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، لإدراج عام بقيمة تبلغ ملياري دولار في بورصة هونج كونج، يحتمل أن يكون قبل نهاية العام.
اشتهرت "سينس تايم" بخبرتها في تكنولوجيا التعرف على الوجه، وقد جمعت أكثر من ثلاثة مليارات دولار من مستثمرين بما في ذلك "سوفت بانك" و"علي بابا" و"تايجر جلوبال" و"سيلفر ليك"، ما يجعلها واحدة من الشركات الأربع الأكثر شهرة في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، إلى جانب قريناتها "ميجفي" و"ييتو" و"كلاود ووك".
نمت الأربعة جميعها بسرعة بدعم من بكين، التي سمحت لها بجمع ومعالجة مجموعة كبيرة من البيانات حول عدد سكان البلاد الضخم، وتحاول الآن أن يتم إدراجها في البورصة، ولديها طموحات للتوسع في الخارج.
لكن الشركات الأربع عانت أيضا مخاوف تتعلق باستخدام تكنولوجيتها، وتعرضت لعقوبات من الولايات المتحدة بزعم أنها تساعد في انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانج الغربية، وهي تهمة نفتها الشركات.
منذ ذلك الحين، كان على الشركات أن تسلك طريقا حذرا للحفاظ على علاقات جيدة مع عميلها الأكثر وضوحا وأهمية: الحكومة الصينية.
قال جيفري دينج، زميل ما بعد الدكتوراه في مركز الأمن والتعاون الدولي في جامعة ستانفورد، إن سينس تايم "عالقة في معضلة". قد يرغب المستثمرون الغربيون في أن يكونوا أكثر صراحة في التنصل من التنميط العرقي (...) لكن هذا من شأنه أن يفقدهم أعمالهم في الصين".
الوثائق التي قدمتها الشركة الناشئة قبل طرحها للاكتتاب العام الأولي تكشف مدى اعتمادها على بكين. يشكل أكبر خمسة من عملائها نحو ثلث مبيعاتها البالغة 3.4 مليار رنمينبي (525 مليون دولار). ساهمت أعمالها في مجال المدن الذكية، التي تشمل التعرف على الوجه والأمن التنبؤي، بنسبة 40 في المائة من مبيعاتها العام الماضي وعملاؤها في الأغلب هم من تسميهم "خبراء تكامل النظم"، القائمين على إدارة المدن.
منذ 2008، حاولت 500 مدينة صينية على الأقل تثبيت ما يسمى تكنولوجيا المدينة الذكية، والعمل مع شركات خاصة مثل "سينس تايم" و"علي بابا" و"هيكفيجين" و"هاواي" لإيجاد حلول رقمية للمشكلات الحضرية.
تم نشر برنامج "سينس تايم" في 119 مدينة، الغالبية العظمى منها في الصين. في إحدى المدن، تستخدم أنظمتها لاكتشاف الأشخاص الذين لا يضعون أحزمة الأمان في السيارات، بمعدل دقة مزعوم يبلغ 94 في المائة. ويمكنه أيضا اكتشاف السائقين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة بدقة تراوح بين 86 و96 في المائة.
في مدينة أخرى من المدن الكبرى في جنوب الصين يسكنها 17 مليون شخص، سجل نظام إدارة حركة المرور في "سينس تايم" مخالفات مرورية ارتكبها سائقو دراجات نارية. تعقبت الشرطة 50 ألف حادث من هذا القبيل، وانخفضت المخالفات الشهرية التي ارتكبها سائقو الدراجات النارية أكثر من النصف خلال شهرين فقط. في غضون ذلك، ارتفع عدد السائقين الذين اختاروا ارتداء خوذة من أقل من النصف إلى 94 في المائة.
ترى "ميجفي"، أقدم الشركات الناشئة الأربع في مجال الذكاء الاصطناعي، أن الحكومة أيضا أهم عملائها. في العام الماضي حصلت الشركة المدعومة من مجموعة علي بابا و"آنت جروب" على 64 في المائة من إيراداتها من تكنولوجيا المدن الذكية. شركة تكنولوجيا التعرف على الوجه أجبرت على التخلي عن إدراجها في بورصة هونج كونج عندما أدرجت بورصة واشنطن الشركة في القائمة السوداء في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.
لكن التوسع الدولي أعاقته المخاوف بشأن النفوذ الصيني. وكالات الاستخبارات البريطانية، مثلا، كانت تضغط من أجل فرض قيود على ما إذا كان بإمكان السلطات المحلية شراء البرنامج، خوفا من احتمال استخدامه للتجسس أو المراقبة.
خلال العامين الماضيين، أضافت "سينس تايم" مكاتب وعملاء عبر جنوب شرق آسيا وشمال آسيا، حيث تتضاءل التحفظات على المراقبة.
لكن الشركة لا تقدم تفاصيل كثيرة حول عدد الصفقات الخارجية التي أبرمتها، خاصة في أعقاب إدراجها في القائمة السوداء في 2019.
هناك مشروع تمت مناقشته منذ فترة طويلة للكشف عن الاحتيال والغش في الكازينوهات مع مجموعة جنتنج الترفيهية، التي تدير كازينو في جزيرة سنتوسا في سنغافورة، لم ينتج عنه بعد أي معلومات عامة ملموسة.
في الوقت نفسه، تستثمر شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى في قدرات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، في ضربة محتملة لشركة سمارت، ذراع "سينس تايم".
قال ويليام باو بين، الشريك العام في شركة إس أو إس في SOSV العالمية لرأس المال المغامر في شنغهاي: "الشركات وحيدات القرن الناشئة وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى لديها برامج ذكاء اصطناعي خاص بها بشكل متزايد". أضاف: "معظم الشركات الصينية ليست معتادة على الدفع مقابل البرامج، وهذا سبب أن كثيرا من عملاء الشركات مثل ’سينس تايم‘ هم الحكومة".
قال موظف سابق في "سينس تايم" لـ "فاينانشيال تايمز" إنه فاز في الأيام الأولى بعملاء من شركات التكنولوجيا، من ضمنهم "بايت دانس"، مالكة "تيك توك"، و"هيكفيجين" التي تصنع كاميرات المراقبة.
لكن بحلول 2019، كانت "بايت دانس" "تنفصل بصعوبة" عن "سينس تايم" من أجل بناء فرق خاصة بها من داخل الشركة بعد أن عملت معها على مرشحات (فلاتر) وجه تعمل بالذكاء الاصطناعي. قال الموظف: "هذا أسرع لأنهم تمكنوا من الوصول إلى البيانات بشكل أسرع، ولا يحتاجون إلى الدفع إلى ’سينس تايم‘".
أقر شخص مقرب من الشركة بأنها فقدت بعض الأعمال لكنها استمرت في توسيع قاعدتها التي تضم أكثر من 2400 عميل.
حاولت "سينيس تايم" الدخول بشكل أكبر في الأجهزة وتقديم حزمة أوسع للعملاء. إنها تريد إنفاق قدر كبير من عائدات الاكتتاب العام الأولي على البحث والتطوير، بما في ذلك إنشاء مركز جديد لبيانات الحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي بالقرب من شنغهاي سيتم الانتهاء منه في 2022. وتعمل أيضا على تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي، المصممة لمعالجة مهام الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
أحد المجالات الأخرى هو البرامج التي تدعم القيادة الذاتية - وهي عبارة مذكورة 68 مرة في وثائقها، مقارنة بست إشارات فقط لعبارة "معلومات الوجه".
قال خبراء إنه حتى في هذا المجال تواجه "سينس تايم" منافسة شديدة، ويساهم قسم السيارات ذاتية القيادة في الشركة حاليا بأقل من 5 في المائة من مبيعاتها.
قال تو لو، مؤسس شركة سينو أوتو إنسايتس الاستشارية: "القيادة الذاتية سوق مزدحمة ودخول ’سينس تايم‘ جاء متأخرا. شركات كثير أمثال بايدو، وبوني أي، ووي رايد أثبتت نفسها وكونت شركائها في هذا المجال. لا أعتقد أن كثيرا منها قد تكون مزدوجة المصدر أو تتخلى عن شركاءها الحاليين لصالح ’سينس تايم‘".
لكن كثيرا من المستثمرين يشجعهم الدعم الحكومي الذي تلقاه الشركة. تلقت "سينس تايم" 352.8 مليون رنمينبي في شكل منح حكومية في 2020، بزيادة 42 في المائة عما تلقته في 2019.
ابتكار تكنولوجيات متطورة لوضع جداول الأعمال يعد أمرا أساسيا لتحقيق هدف شي جين بينج المعلن، وهو أن الصين يجب أن تكون رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2030. نجاح "سينس تايم" وشركات أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى بما في ذلك "ميجفي" و"ييتشو" و"كلاود ووك" يغذي هذا الطموح بشكل مباشر. لم يخضع قطاع الذكاء الاصطناعي إلى تدقيق من الجهات التنظيمية مثل درجة التدقيق التي خضعت له شركات الإنترنت الصينية الأخرى هذا العام.
قال أحد المستثمرين في "ميجفي" في البر الرئيسي: "هل هو أمر سيئ الآن إذا كان أكبر عملائك هو الحكومة الصينية، التي تستثمر في التأكد من أنك تعمل بشكل جيد؟ لا نعتقد ذلك".