«الرجل الحر» لا يتمنى لكم يوما جيدا بل رائعا
على مر الأعوام ومع توسع سطوة العالم الافتراضي، بدأت المسافة تتقلص بين الواقع والخيال، وشرعت النفوس البشرية أبوابها لصور تبنى وتهدم مئات المرات في الثانية، تماما كما يتم بناء مدن افتراضية وشخصيات وهمية تتنقل داخل أروقتها بحثا عن الذات، فجاء هذا الطرح من قبل هوليوود في فيلم فري جاي- free guy، الذي نجح بسبب مقاربته للواقع الافتراضي المعاش من قبل عديد من الشباب.
البحث عن الذات والحب الحقيقي
رغم أن الفيلم يذكرنا بأفلام أخرى مثل wreck it ralph، وReady player one، إلا أنه يختلف بوجود شخصية عصرية كتلك الموجودة في العالم الافتراضي، هي شخصية داخل لعبة فري سيتي التي تلتقي مع لعبة GTA، وFortnite اللتين لاقتا نجاحا باهرا بين المراهقين، حتى إن بعضهم أدمن عليها، فالشخصيات مشابهة والمباني، إضافة إلى تشابه نوعية العنف المستخدم، وعلى خط مواز يوجد الصراع الأزلي ما بين الاستوديوهات الكبرى ومطوري الألعاب المستقلين، لكن هذه الفكرة ليست هي الأساسية في الفيلم، بل سلط الفيلم الضوء أيضا على فكرة البحث عن الذات والهدف من الحياة، وكذلك البحث عن مشاعر الحب الحقيقية.
عندما يكون السطو روتينا
بدأت أحداث الفيلم مع رجل يدعى جاي يؤدي دوره رايان رينولدز؛ يعمل في أحد البنوك، ويعيش حياة هادئة وبسيطة، حتى لو تعرض مصرفه للسطو من قبل لصوص مسلحين بشكل مستمر، لا يتأثر ويعده جزءا عاديا من حياته الروتينية. لكن تتلاشى هذه الحيوية والتفاؤل عندما يلتقي جاي فتاة المولوتوف، وتؤدي دورها جودي كومير؛ التي تساعده على النضج بطرق فريدة ومثيرة للاهتمام ويكتسب القدرة على الاختيار والقدرة على التفكير بنفسه، نتيجة لذلك.
المولوتوف ليست شخصية افتراضية بل واقعية وحقيقية، تبحث داخل لعبة فري سيتي عن براهين تثبت أن رمز البرمجة الخاص باللعبة قد سرق من قبل أنطوان، يؤدي دوره تايكا واتيتي، صاحب شركة برمجة، بمساعدة مبرمج ألعاب فيديو يدعى كيز، يؤدي دوره جو كييري، وهو الشريك السابق للمولوتوف.
وليتمكن جاي من الحصول على المولوتوف، يأخذ نظارة شمسية يرتديها الأوغاد الذين جعلوا "فري سيتي" مرتعا للفوضى، وتجعله يرى العالم كما يفعل اللاعبون، مليئا بالتعزيزات والغنائم والمهمات التي تقدم كثيرا من الإشارات الممتعة لعالم ألعاب الفيديو.
يتميز الفيلم بحبكة متينة حيث وضع المؤلفان مات ليبرمان؛ وزاك بين؛ كثيرا من الإلهام في الفيلم، فهناك إلهام واضح من Deadpool في مشهد الأكشن الافتتاحي مصحوبا بتعليق صوتي من رينولدز، وأغان لماريا كيري؛ ومايلي سايرس؛ وغير ذلك كثير، ولقد ظهر واضحا أن الحبكة عبارة عن مزيج بين The LEGO Movie وSerenity 2019 وThe Truman Show، حيث يدرك كل شخص أن عالمه ليس كما يبدو، وليس ضروريا أن يكون شخصية غير قابلة للعب في مصيره، إضافة إلى كل ما سبق، أضاف صانعو الفيلم عناصر من أفلام مثل They Live وOedipus Rex وSimulation Theory وMeet Joe Black.
لا أتمنى لكم يوما جيدا .. بل رائعا
لم يخل الفيلم من العبارات التي غيرت ملامحه، فبعد أن كان فيلم أكشن وكوميدي يعالج قضية الألعاب الإلكترونية، تم إدخال عبارات تؤكد رسالة الفيلم ألا وهي اكتشاف الذات، حيث كان يحث جاي؛ كل من دخل اللعبة على اكتشاف ذاتهم والقيام بما يحبون، اشتهر بعبارة: "لا أتمنى لكم يوما جيدا بل يوما رائعا"، وفي القسم الثاني من الفيلم بعد أن جمع كل أفراد "فري سيتي" حاول تحريرهم من ذاتهم، فكأنه كان يحاول إدخال الروح الحياتية على عناصر اللعبة، وهنا بطريقة غير مباشرة تم طرح الذكاء الاصطناعي وإمكانية تطويره ليتوافق مع الحياة البشرية.
يتميز الفيلم باحتوائه على كثير من مشاهد الأكشن التي اختلفت عما اعتدنا مشاهدته في أفلام الأكشن، فهذا النوع من الأكشن جاء مرتبطا بما نراه في عالم الألعاب الإلكترونية، فطريقة الاشتباك واللامنطق في حركات الجسم والمطاردات والأسلحة تم تصميمها بشكل متقن ومرتبط مباشرة بجوانب الدراما والكوميديا، حيث تمكن المخرج شاون ليفي؛ مع القفز بالمظلات، ومطاردات السيارات، والانفجارات، وإطلاق النار، والاشتباكات التي تضم كل أنواع الأسلحة، من تقديم مشاهد استثنائية مميزة، ثم تظهر مشاهد مضحكة مثل رمي مذابح عشوائية في خلفية المشهد وهذه خدع بصرية كانت مميزة ومتقنة. ففي حين يمشى جاي على الرصيف مع ابتسامة على وجهه، تحطم دبابة بشكل عادي السيارات من خلفه. لذلك يعد الفيلم استعراضا بصريا مبهرا بكل المقاييس، حتى إن الملابس والماكياج تم تصميمها بشكل مشابه لتلك التي نراها في العاب الفيديو. أما التميز الحقيقي فكان في المونتاج حيث يتم الانتقال بين العالم الحقيقي وعالم اللعبة بكل سلاسة.
معركة الدفاع عن حقوق الترميز
في الجزء الثاني من الفيلم يتم التركيز على المشادات التي تحصل بين جاي وصناع لعبته الذين يخوضون حربا حول حقوق الترميز. وبالطبع ليس مفاجئا أن مشاهدة المبرمجين (كومير وجوكيري) يتجادلان حول الدعاوى القضائية واكتشاف الأخطاء وإصلاحها ليس أمرا مسليا للغاية، حتى لو كان تايكا وايتيتي ضمن طاقم الممثلين بدور الخصم البغيض. هنا ينتقل الفيلم من المتعة إلى التعثر. ففي الوقت الذي يقاتل فيه جاي من أجل حبه وحياته، تتعثر الشخصيات في العالم الواقعي في حبكة غير مضحكة لا تسمح لأي من نجومها بالتألق. كيري على سبيل المثال، كان رائعا ومحبوبا في مسلسل Stranger Things، يقدم أداء باهتا كمبرمج جبان. أما وايتيتي؛ الذي أذهل المعجبين على الشاشة وخارجها بجاذبيته الغريبة، فيبدو أنه يشعر بالملل وهو يتنقل بين النكات السخيفة والسخرية الشريرة. ثم تأتي كومير؛ التي أحببناها بدور القاتلة التي لا ترحم في Killing Eve لكنها هنا مثقلة بالنكات السخيفة وخسرت بطريقة ما الجاذبية الرائعة التي جعلتها نجمة تلفزيونية شهيرة جدا. وبالتالي مع دخول Free Guy للفصل الثالث، يصبح من الصعب الشعور بالتعاطف مع أي شخصية باستثناء جاي؛ لأن العالم الحقيقي ممل جدا.
حقق الفيلم إيرادات حول العام وصلت إلى 276 مليونا و500 ألف دولار منذ طرحه في دور العرض حول العالم، وكان قد حقق العمل 28 مليونا و365 ألف دولار في العرض الافتتاحي للعمل.