أمريكا .. عدد وفيات كوفيد يتجاوز ضحايا الإنفلونزا الإسبانية

أمريكا .. عدد وفيات كوفيد يتجاوز ضحايا الإنفلونزا الإسبانية
اثنان من العاملين في نقل الموتى يغطيان جثة أحد ضحايا كوفيد 19 قبل نقلها إلى المشرحة في أحد مستشفيات لوس أنجلوس. تصوير: جاي سي هونج "أب"

تجاوز عدد الأمريكيين الذين توفوا بسبب كوفيد عدد الوفيات بسبب جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، فيما تكافح الولايات المتحدة للاستجابة إلى عودة ظهور الفيروس.
هذه العلامة الفارقة الكئيبة تتزامن مع موجة جديدة من الإصابات الشديدة وحالات الدخول إلى المستشفيات بين الأشخاص غير الملقحين، خصوصا في الولايات الجنوبية والوسطى الغربية من البلاد. وقد أدى هذا إلى ارتفاع المعدل المتحرك لسبعة أيام، الخاص بعدد الوفيات اليومية إلى نحو 1900 - وهو مستوى لم تشهده الولايات المتحدة منذ الارتفاع المميت في الشتاء الماضي.
ويحذر خبراء من أن انتشار المتحور دلتا شديد العدوى يدفع الأنظمة الصحية في الولايات الأكثر تضررا إلى أزمة ويهدد الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة. ويقولون إن المشاحنات السياسية حول ارتداء الأقنعة وأوامر أخذ اللقاح والجرعات المعززة لا تزال تعقد مكافحة الجائحة وتنذر بإطالة أمدها.
وفقا لآخر تقدير من جامعة جونز هوبكنز نشر بعد ظهر الإثنين الماضي، بلغ عدد الوفيات في الولايات المتحدة 675446. هذا تقريبا العدد الإجمالي نفسه للوفيات في الولايات المتحدة بسبب الإنفلونزا الإسبانية، وهي أخطر جائحة في التاريخ الحديث ـ قتلت ما لا يقل عن 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وفقا لتقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
قال الدكتور علي مقداد، أستاذ الصحة العالمية في جامعة واشنطن: "تعتمد السيطرة على الجائحة على عاملين: القيادة التي توفرها الحكومة وسلوك الناس. وعلى كلتا الجبهتين، كان أداء الولايات المتحدة سيئا مقارنة بالبلدان الأخرى".
وأشار المقداد إلى أن معدل الوفيات كان أعلى خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي بدأت في عام 1918، بالنظر إلى أن عدد سكان الولايات المتحدة كان أقل من ثلث حجمه الحالي البالغ 328 مليون نسمة. لكنه قال إن ارتفاع عدد القتلى بسبب كوفيد، الذي يتوقع المعهد أن يتجاوز 775 ألفا بحلول الأول من كانون الثاني (يناير)، لا يزال صادما نظرا لتحسن معايير النظافة والرعاية الطبية المتاحة اليوم.
وعلى الرغم من التمتع بأسبقية الوصول إلى لقاحات كوفيد، تخلفت الولايات المتحدة عن الدول الغنية الأخرى من حيث التلقيح. يقول الخبراء إن التردد بشأن اللقاحات بين الناخبين الجمهوريين، وبدرجة أقل بعض المجتمعات السوداء واللاتينية، يغذيه انتشار المعلومات المضللة. وقد أدى ذلك إلى جعل الناس عرضة للإصابة حيث تم تطعيم 54.6 في المائة فقط من السكان بشكل كامل على الصعيد الوطني.
وتلجأ بعض المستشفيات في الولايات الأكثر تضررا إلى تقنين الرعاية بسبب موجة كوفيد الأخيرة. ففي ولاية آيداهو، حذر مسؤولون الأسبوع الماضي من أن حالات دخول المستشفيات بسبب كوفيد لأفراد غير ملقحين قد ارتفع إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى استنزاف الموظفين والأسرة والموارد المتاحة.
عدد الأشخاص الملقحين بالكامل يزيد قليلا عن 40 في المائة من الأشخاص في ولاية آيداهو، وهو واحد من أقل المعدلات في الولايات المتحدة. قال ماثيو كريسيليوس، وهو ممرض يعمل في وحدة العناية المركزة في مستشفى ميشيجان: "إنه أمر محبط للغاية أننا نواجه موجة أخرى من انتشار فيروس كوفيد (...) كان من الممكن منعها". أضاف: "99 في المائة تقريبا من مرضى كوفيد الذين نراهم في وحدة العناية المركزة غير ملقحين (...) هذا هو تأثير المعلومات المضللة".
أشار كريسيليوس إلى أن الأثر النفسي الذي خلفته مشاهدة كثير من حالات الوفاة والمرض، خاصة بين الشباب، أجبره على طلب المشورة واستكشاف فرص عمل أخرى في مجال الرعاية الصحية.
تسببت الجائحة في جعل واحد من كل خمسة من العاملين في مجال الرعاية الصحية يعيد النظر في حياته المهنية، وفقا لمسح شمل خمسة آلاف عامل في النظام الصحي في جامعة يوتاه.
قالت إيمي ويتكوسكي ستيمبفيل، الأستاذة المساعدة في كلية روري مايرز للتمريض في جامعة نيويورك: "الممرضون في الخطوط الأمامية لم يعد لديهم طاقة للاحتمال والقدرة على مواجهة الوضع".
أضافت: "هناك كثير من التوتر والصدمات العاطفية (...) أن يكون المرء بجانب السرير، وأن يرى الكثير من المرضى معتلين جدا ورؤية مرضى يموتون وحيدين، دون أسرة أو أحبة".
لقد أدى النقص الحالي في الموظفين في عديد من الولايات إلى زيادة الشعور بالأزمة. دعت وزارة الصحة في ولاية تينيسي الحرس الوطني لتقديم الدعم في بعض المستشفيات، بينما في ولاية ألاباما انسحب بعض الممرضون مؤقتا من العمل هذا الشهر احتجاجا على الأجور المنخفضة والظروف السيئة.
ويشعر الأطباء أيضا بالتوتر ويعبرون عن إحباطهم تجاه السياسيين وفشل الجمهور في اتخاذ الاحتياطات الفعالة لمعالجة أزمة كوفيد. قالت الدكتورة جينيفر كابوتو-سيدلر، وهي طبيبة تعمل في مستشفى تامبا العام في فلوريدا: "إن هذه الموجة صعبة للغاية لأنه لم يكن علينا القيام بذلك مرة أخرى. الأغلبية العظمى من المرضى في وحدة العناية المركزة لدينا غير ملقحين".
أضافت أنه في مرحلة ما خلال الموجة الأخيرة كان لا بد من وضع مرضى كوفيد ممن هم مستيقظون ومتيقظون تماما في وحدة العناية المركزة، جنبا إلى جنب مع المرضى الذين يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي، بسبب قيود المساحة الشديدة.
أصدر حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، أمرا في تموز (يوليو) يحظر ارتداء الأقنعة الإلزامي في المدارس، مشيرا إلى حرية الآباء في اختيار كيفية تعليم أطفالهم. وهو أيضا واحد من أكثر من 12 حاكما جمهوريا يعارضون أمر إدارة بايدن بشأن كوفيد، الذي يتطلب من القطاع العام والجهات الكبيرة في القطاع الخاص التأكد من تلقيح الموظفين.
قالت كابوتو سيدلر: "إن ارتداء الأقنعة هو مشكلة خاصة أخرى في ولايتنا بالتحديد لأن حاكمنا يعارض بشدة فرض الأقنعة في المدارس (...) والآن نرى المزيد من الأطفال يدخلون إلى المستشفى أكثر من أي وقت مضى".
خلال الأسابيع الأخيرة بدأ عدد الحالات الجديدة ودخول المستشفيات في فلوريدا في الانخفاض، لكن معدل الوفيات اليومية لا يزال قريبا من المستويات القياسية.
بحسب كابوتو سيدلر، هناك حاجة إلى قيادة أقوى لقلب المد ضد كوفيد، مشيرة إلى أن بعض المرضى غير الملقحين لديهم معتقدات دينية أو غير ذلك من المعتقدات الشخصية ضد اللقاحات، لكن البعض الآخر محتارون بسبب الرسائل المتباينة.
قالت: "لو رأى الناس أن قادتنا يروجون بالإجماع للأقنعة واللقاحات ولديهم رسالة موحدة فسيكون لذلك تأثير أقوى من قيام كل ولاية ومدينة بعملها الخاص".

الأكثر قراءة