FINANCIAL TIMES

دروس للحياة يقدمها انخفاض حالات الانتحار خلال الإغلاق

دروس للحياة يقدمها انخفاض حالات الانتحار خلال الإغلاق

كانت إحدى الحجج الرئيسة التي تم طرحها ضد عمليات الإغلاق على مدار 18 شهرا الماضية هي تأثيرها في الصحة النفسية، وفكرة أن عدد الوفيات الناجمة عن حالات الانتحار يمكن أن ينافس الوفيات الناجمة مباشرة عن كوفيد -19.
"ستخسر مزيدا من الناس من خلال وضع البلاد في حالة ركود أو اكتئاب هائل... ستحصل على معدلات انتحار بالآلاف". كما أخبر دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، شبكة فوكس نيوز الإخبارية في أواخر شهر آذار (مارس) 2020 حيث كان ينادي لتخفيف القيود. وزعم عنوان نشر في صحيفة "ديلي ميل" في الشهر التالي "سيتوفى 150 ألف بريطاني "موتا يمكن تجنبه" خلال جائحة فيروس كورونا بسبب الاكتئاب، والعنف المنزلي وحالات الانتحار".
وبالفعل يبدو أنه تم التأثير بشكل سلبي في الصحة النفسية بسبب كوفيد من نواح كثيرة، على الرغم من أن محاولة معرفة ما إذا كان ذلك نتيجة عمليات الإغلاق أم الفيروس بنفسه أمر صعب. وقد وجد مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة أنه في حزيران (يونيو) 2020، عانى واحد من كل خمسة أشخاص بالغين نوعا من الاكتئاب، وهو ضعف المعدل الذي تم الإبلاغ عنه قبل الجائحة، في أواخر آذار (مارس)، عند بداية عمليات الإغلاق، أبلغ تقريبا نصف البالغين البريطانيين عن مستويات عالية من القلق. وفي الوقت ذاته، بلغت حالات الوفاة الناجمة عن تعاطي الكحول المفرط أعلى مستوياتها في عقدين في عام 2020، بزيادة الخمس عن العام الماضي، بينما في الولايات المتحدة، بلغت حالات الوفاة الناجمة عن جرعات المخدرات الزائدة مستويات قياسية.
حتى الآن، الوضع محبط جدا. ومع ذلك يبدو أن عدد الأشخاص المتوفين بسبب الانتحار قد انخفض بالفعل عندما بدأت إنجلترا وويلز بعمليات الإغلاق. إذ تظهر الأرقام التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطنية في وقت سابق من هذا الشهر أنه بين شهري نيسان (أبريل) وتموز (يوليو) 2020، كان عدد الأشخاص الذين انتحروا أقل 18 في المائة مقارنة بالفترة نفسها في 2019، وأقل 13 في المائة من متوسط الخمسة أعوام، مع كون الانخفاض الأكبر في فئة الرجال والشباب.
إن بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية كاملة فقط حتى تموز (يوليو) 2020 بسبب التأخير في تسجيل الوفيات، لكن بيانات المراقبة من إنجلترا لا تظهر أي زيادة في حالات الانتحار في الأشهر السبعة التي أعقبت عملية الإغلاق الوطني الأولى. ويمكن رؤية أنماط مشابهة في الأماكن الأخرى. حيث وجدت دراسة أجريت في 21 بلدا ومنطقة نشرت في صحيفة "ذا لانسيت" عدم وجود زيادة في الأشهر الأولى من الجائحة، مع انخفاض المعدلات في 12 من الأماكن التي تم فحصها.
قد يبدو هذا أمرا غير منطقي. ومع ذلك فإن هناك سابقة لمثل هذه الظاهرة، التي من الممكن أن تساعد على تفسير ما يحدث، دائما ما أظهرت الأبحاث أنه خلال فترات الحرب، تنخفض حالات الانتحار. ويعود ذلك إلى أنه في وقت الأزمات الوطنية، يزداد التماسك الاجتماعي والإيثار، ما يعني أن الناس في الأغلب ما يشعرون أنهم أقل عزلة - وهي نظرية اكتسبت مكانة بارزة لأول مرة في القرن الـ19 عندما لاحظ إميل دوركهايم أن حالات الانتحار تميل إلى الارتفاع في أوقات السلم.
ويقول ناف كابور، وهو أستاذ الطب النفسي وصحة السكان في جامعة مانشستر، وهو خبير في الوقاية من الانتحار وأحد مؤلفي الدراسة التي نشرت في صحيفة "لانسيت"، "إنها تلك الفكرة بأن الجميع يعاني هنا، لذلك أنا لست وحدي، إنه ليس أنا فقط".
وحاول بن كيلي، وهو كاتب لمصلحة موقع رياكشن الإلكتروني، أن ينهي حياته مرتين في العام الماضي - قبل أن ينتشر الفيروس حقا، مرة في كانون الثاني (يناير) 2020، ومرة أخرى في نهاية العام، في عشية رأس السنة الجديدة. وقد أخبرني أنه برغم أنه عانى كثيرا خلال عمليات الإغلاق، لاجئا للكحول والمخدرات، إلا أن رؤية عدد الوفيات كل يوم جعلته يفكر أكثر بقيمة حياته.
ويقول، "الناس يمرضون ويموتون - إنه أمر يجعلك تفكر بفنائك. كان العام الماضي عاما مليئا بالصعاب بالنسبة لي. لقد مررت ببعض الأوقات الفظيعة، لكنني حظيت ببعض المتعة واستمتعت ببعض جوانب (عمليات الإغلاق)".
ويبدو أنه لم تكن هناك فقط تجارب مختلفة بين الناس؛ كانت هناك أيضا تجارب مختلفة داخل الناس. لقد شعرت شخصيا بالقلق في بداية الجائحة - أتذكر معاناتي للتمكن من النوم - لكنني أيضا شعرت بسعادة أكثر بشكل عام، حيث عاودت التواصل مع الطبيعة وأصدقائي القدامى، وشكلت علاقات أقوى مع مجتمعي المحلي.
في نيسان (أبريل) الماضي، أشرت إلى أن عمليات الإغلاق لم تكن فقط وسيلة لتجنب أكبر عدد ممكن من الوفيات؛ لكن كانت حول التأكد من أننا نعيش في مجتمع مقبول ولائق أخلاقيا. في مرحلة البحث عن الذات التي ستتبع هذه الجائحة، ربما نستطيع التفكير في كيفية تعزيز الشعور "بأننا جميعا في هذا معا" دون الحاجة إلى حدوث أزمة عالمية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES