FINANCIAL TIMES

المستثمرون ينفخون فقاعة إسكان جديدة في أمريكا

المستثمرون ينفخون فقاعة إسكان جديدة في أمريكا

قضيت الأسابيع الستة الماضية في مقاطعة سوليفان الريفية، وهي مكان جميل في جبال كاتسكيل على بعد نحو ساعتين بالسيارة من مدينة نيويورك. تشير أحدث أرقام التعداد السكاني هناك إلى أن مستويات الفقر أعلى نحو 25 في المائة مما هي عليه في باقي أنحاء الولاية. نصيب الفرد من الدخل أقل قليلا من 31 ألف دولار، خمسة آلاف دولار أقل من المتوسط الوطني.
مع ذلك، ارتفعت أسعار العقارات في مقاطعة سوليفان 32.8 في المائة على أساس سنوي في تموز (يوليو). الأكواخ الخشبية المتواضعة التي كان من الممكن أن تباع مقابل 200 ألف دولار أو أقل قبل الوباء، يتم تحسينها وتعديلها لتباع مقابل ضعف هذا المبلغ "أو تأجيرها بأسعار الفنادق الصغيرة". أصبحت جميع العروض النقدية وعمليات الشراء غير المرئية شائعة. حزام بورشت، كما كان معروفا في يوم من الأيام بفضل الفنادق التي كانت تخدم المصطافين اليهود منذ نحو عشرينيات القرن الماضي حتى السبعينيات، لم يسبق أن كان بهذا الرواج منذ أن تسكع إيدي فيشر وليز تايلور هناك.
جزء من هذا يعود إلى جنون بسبب كوفيد، وبعض ذلك سيختفي في النهاية. لكن طفرة حزام بورشت انعكست في أجزاء كثيرة من البلاد، وهي تتحدث عن حقيقة مفادها أن الإسكان، بعد أكثر من عقد من انهيار الرهن العقاري، لا يزال في قلب الانقسام الاقتصادي في أمريكا. هذا لأن المنازل في الولايات المتحدة تعد من الأصول القابلة للتداول بقدر ما تعد مأوى.
مثلما قاد المستثمرون طفرة الإسكان قبل الأزمة المالية، قادوا أيضا الزيادة في أسعار المساكن التي أعقبت الوباء، التي وصلت إلى مستويات عام 2008. في الربع الثاني من 2021 اشترى المستثمرون واحدا من كل ستة منازل في الولايات المتحدة، وفقا لموقع العقارات ريدفين.
لا يتعلق هذا فقط بالمستثمرين المؤسسيين الكبار، على الرغم من أن كثيرا من شركات الأسهم الخاصة الكبرى استثمرت في العقارات بسعر رخيص خلال الجزء الأول من الوباء، كما اشترت منازل محجوزة في قاعة المحكمة في أعقاب الأزمة المالية. إنفتيشن هومز، التي أسستها بلاكستون وطرحتها، أصبحت أكبر مالك في البلاد. في الآونة الأخيرة، كانت شركات الأسهم الخاصة تستحوذ على وحدات تأجير متعددة العائلات حتى مجمعات المنازل المتنقلة، مدعومة بقروض اتحادية صممت في الأصل لإفادة الفقراء.
بعض المستثمرين الذين يقودون فقاعة الإسكان الجديدة هم ببساطة من سكان المدن الغنية بالمال، الذين اشتروا منازل ثانية لتأجيرها أو تحسينها. لكن هؤلاء والمستثمرين المؤسسيين استفادوا بشكل كبير من أسعار الفائدة المنخفضة والتسهيل الكمي، ليس فقط منذ بداية الوباء، ولكن منذ الأزمة المالية. عززت سياسات البنك المركزي أسعار الأسهم والمساكن. لكن كان لها أيضا تأثير أحدث تشوهات لا تصدق في كثير من أسواق العقارات حيث يتنافس السكان المحليون ضد قاطني المدن ذوي الدخل المرتفع من أجل للحصول على مأوى.
هذا بدوره يفاقم نقص العمالة ما بعد كوفيد الذي ابتليت به الشركات الأمريكية في مجالات مثل السفر والسياحة وتجارة التجزئة وأجزاء أخرى من قطاع الخدمات. فجأة، أصبح كاتسكلز مثل أسبن - إذا كان عليك العمل هناك، فمن المحتمل أنك لا تستطيع العيش هناك. لا أستطيع إحصاء عدد لافتات "مغلق: لا يوجد موظفون" التي رأيتها أثناء إقامتي.
سيتراجع هذا الضغط جزئيا مع انتهاء الإعانات الفيدرالية وعودة الأطفال إلى المدارس، ما يحرر العاملات على وجه الخصوص لتولي الوظائف. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه المدن المزدهرة الجديدة التي تبعد ساعتين أو ثلاث ساعات عن المدن الكبرى ستحتفظ بسحرها بمجرد أن يتلاشى الوباء وتعود الحياة إلى المكاتب.
لكن التشعب في سوق الإسكان سيبقى معنا إلى أجل غير مسمى، ما لم يتغير النموذج. ترفع السياسة النقدية السهلة أسعار الأصول، لكنها لا تستطيع تحقيق نمو في الدخل يسمح للأفراد بالاستثمار والاستفادة من هذا الإجراء. المعروض من المساكن مقيد بكل شيء من الأسعار إلى محدودية توافر الأراضي مرورا بمتطلبات تقسيم المناطق في الأسواق الكثيفة إلى نقص الإمدادات المرتبط بكوفيد. لذا حتى بعد أن تغير البنوك المركزية مسارها، قد يستغرق انفجار هذه الفقاعة بعض الوقت.
في النهاية، نحن بحاجة إلى جعل المساكن ميسورة التكلفة ومتاحة أكثر. أعلن البيت الأبيض للتو بعض الخطوات الجيدة لزيادة المعروض من المساكن ذات الأسعار المنخفضة من خلال إتاحة مزيد من التمويل لمشتري المنازل المصنعة. في السابق كانوا مقيدين بشكل غير عادل بمقدار ما يمكنهم اقتراضه، لأن منازلهم الجاهزة التي يتم شحنها إلى مجمع للمنازل المتنقلة، تعد "متاعا"، مثل القوارب أو السيارات.
لكن تظهر الأبحاث أن هذه المنازل يمكن أن تحمل قيمتها تماما مثل أي منازل أخرى، ولا سيما عندما تكون جزءا من هيكل تعاوني يشغله المالك، حيث يكون لدى السكان حافز لتحسين الأراضي والممتلكات العامة، ويمكنهم تقاسم المخاطر. أنا أيضا أؤيد توصية بايدن بالحد من بيع بعض العقارات المملوكة لإدارة الإسكان الفيدرالية ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية لكبار المستثمرين. بدأت هذه البرامج لمساعدة العائلات، وليس ضمان الملكية الخاصة.
قد نجرب أيضا أفكارا مثل معدلات الرهن العقاري التي تتغير بناء على أداء الاقتصاد نفسه. إذا ارتفعت معدلات البطالة أو انخفض النمو أو تغيرت تكلفة الإسكان بشكل كبير، فقد تتغير المدفوعات وفقا لذلك. لطالما دفع الخبير الاقتصادي روبرت شيلر هذه الفكرة، التي ستسمح بتقاسم أكثر إنصافا للمخاطر بين المؤسسات المالية والمقترضين.
لا أحد يريد تكرار ما حدث عام 2008. نحن بحاجة إلى سياسة إسكان تجعل المنازل كما ينبغي أن تكون: مأوى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES