نمو متوازن وإصلاحات محفزة

اتخذت حكومة المملكة العربية السعودية عديدا من الإجراءات والقرارات المتوازنة والسليمة، التي تزامنت مع مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا الذي ضرب جميع القطاعات التجارية على مستوى العالم دون استثناء، حيث إن النتائج التي تحققت اليوم بعد مضي عام ونصف على هذا الوباء، تؤكد وجود عديد من النجاحات التي أنجزت في مصلحة مؤشرات الاقتصاد الوطني.
فقد أسهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي قادتها رؤية المملكة 2030، في توفير قاعدة صلبة لتنمية الإيرادات غير النفطية، كما أسهمت أيضا في الحد من تأثير صدمات انهيار أسعار النفط التي جاءت تاريخية مع الأشهر الأولى من انتشار كوفيد - 19، في ظل اتخاذ الاقتصادات الكبرى قرارات إغلاق الأنشطة التجارية والحيوية وتعطل مسار النمو، واستمرارها فترة طويلة بعد أن فرضت حالة التباعد الاجتماعي ما تسبب في توقف الحياة اليومية الطبيعية.
الإجراءات السعودية، التي اتخذت، كانت نتائجها إيجابية في مؤشرات أداء الميزانية العامة خلال النصف الأول من هذا العام، فقد نشرت "الاقتصادية"، تحليلا أوضح أن الإيرادات خلال النصف الأول من هذا العام نمت بنحو 39 في المائة، وتراجعت المصروفات خلال النصف الأول بنحو 1 في المائة، وهذا الأداء المتميز لمؤشرات الميزانية العامة جاء بفعل الإصلاحات الاقتصادية المتنوعة.
وبالفعل، فإن جميع هذه الإصلاحات الناجحة أسهمت في اتخاذ الحكومة خلال فترة ذروة الجائحة قرارات الإغلاق الاقتصادي في الأنشطة، والقطاعات التجارية، بنحو يمنع انتشار الفيروس، ولا يضر في الوقت نفسه بالإيرادات العامة والهياكل الاقتصادية بشدة.
كما جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في حينها بضرورة المحافظة على الوظائف، وما تم تحقيقه من إنجازات ضمن برامج رؤية المملكة 2030، ولهذا تم اعتماد دعم رواتب العاملين، وتأجيل عدد من الرسوم، والاستحقاقات الحكومية، وأيضا تم دعم التسهيلات البنكية. وقد شكلت هذه القرارات حزم دعم تجاوزت 270 مليارا خلال العام الماضي، في وقت تراجعت فيه الإيرادات تبعا لانكماش الاقتصاد العالمي، لكن هذا الوضع الصعب لم يمنع السعودية من دعم الاقتصاد، والمنشآت، والوظائف، رغم الاحترازات التي كانت تتطلب في بعض الأوقات إغلاق بعض الأنشطة.
وإذا ألقينا نظرة خلال الربع الأول من هذا العام، فإننا نلاحظ ارتفاع إيرادات الميزانية السعودية 7 في المائة، لتبلغ 204.76 مليار ريال مقابل 192.07 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، في وقت كانت الإيرادات النفطية قد تراجعت 9 في المائة، نظرا إلى وفاء السعودية بتعهداتها الدولية بخفض إنتاجها ضمن تحالف "أوبك +" لاستعادة الاستقرار للسوق النفطية، ولهذا نجحت الإيرادات غير النفطية في تحقيق نمو قوي وكاف لدعم المصروفات العامة، التي كانت قد انخفضت 6 في المائة الربع الأول لتصل إلى 212.2 مليار ريال.
وفي الربع الثاني من العام الجاري استمرت الإيرادات في النمو، حيث ارتفعت 85.2 في المائة، لتبلغ 248.1 مليار ريال مقابل 133.9 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، مع نمو الإيرادات النفطية 38.1 في المائة لتبلغ 132.1 مليار ريال مقابل 95.7 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي. كما نمت الإيرادات غير النفطية في الربع الثاني 203.3 في المائة، لتبلغ 115.95 مليار ريال مقابل 38.22 مليار ريال، وهذا مكن المصروفات العامة من العودة إلى النمو مجددا 3.9 في المائة إلى 252.7 مليار ريال في الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 243.18 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي.
ومن خلال سرد هذه الأرقام نلاحظ أنها تعد مؤشرا لنهج استدامة الإيرادات العامة، بتأثير متواز من الإيرادات غير النفطية، والإيرادات النفطية، التي حققت نموا جيدا رغم بقاء سقوف الإنتاج كما هي، كما تعكس هذه المؤشرات نجاح التخطيط الجيد للمصروفات العامة، وجهود ضبط الإنفاق.
حقيقة، إن هذه المرتكزات في مجملها أدت إلى نجاح قياسي في السيطرة على العجز الذي سجل أدنى عجز في الميزانية السعودية منذ بداية الجائحة في الربع الثاني، حيث تراجع 95.8 في المائة، ليبلغ 4.61 مليار ريال في الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 109.24 مليار ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، فيما سجل العجز التراكمي للنصف الأول نحو 12.06 مليار ريال، وهو يقل بنحو 92 في المائة عن الفترة المماثلة من العام الماضي، البالغة حينها 143.3 مليار ريال.
ويمكن وصف هذه الحالة بأنها إنجازات كبيرة، وقياسية، وتبين سلامة المسار الاقتصادي الذي انتهجته رؤية المملكة العربية السعودية 2030، خاصة في ظل التخطيط للوصول إلى التوازن المالي، والتخلص من عجز الميزانية بحلول عام 2023، ويبدو الآن قريب المنال مع عودة الاقتصاد إلى مسار القوة والتعافي، رغم أن الجائحة لم تزل تعصف بالاقتصاد العالمي، وهناك مشكلات في النمو غير المتسق في بعض المناطق من العالم، إضافة إلى استمرار الظواهر الاقتصادية المضطربة، مع تفشي التضخم في الدول الأوروبية، والاقتصادات العالمية الكبرى، نتيجة تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن العالمية، لكن كل هذا لم يحد من قدرة الاقتصاد السعودي على العودة إلى وضعه الطبيعي بقوة.
الجدير بالاهتمام والملاحظ في أداء مؤشرات الميزانية العامة، هو التراجع الملحوظ في المصروفات خلال النصف الأول بنحو 1 في المائة عقب تقليل تعويضات العاملين 1 في المائة، وتقلص الإنفاق على الإعانات بنحو 28 في المائة، فمن الواضح أن آليات سحب الدعم الذي أتى نتيجة تداعيات انتشار الفيروس تتم بشكل هادئ ومتزن، فلم يتم التوقف عن الدعم بشكل كامل وصادم ما قد يعوق عودة الاقتصاد إلى مسار النمو، وهذا يتماشى مع تحذيرات صندوق النقد الدولي من نتائج سحب الدعم بشكل كامل دون مراعاة للظروف الاقتصادية الراهنة، وهذا الأمر مهم بالنسبة إلى المخطط السعودي، الذي راعى هذه الظروف وبشكل متزن، ولو كانت هناك رغبة في تجميل أداء الميزانية على حساب الاقتصاد لتم إيقاف جزء كبير من الدعم مباشرة، وحقق قفزة في التحول من العجز إلى الفائض، لكن كان هناك إدراك لمخاطر هذا الإجراء دون ضمان العودة الكاملة والقوية للأنشطة الاقتصادية، وزوال أو ضعف تأثير الجائحة بالكامل، وهذا إنجاز يضاف إلى الإنجازات التي تحققت في أداء الميزانية العامة خلال الربعين السابقين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي