Author

إيجاد انطباع قد يمنعك من السفر

|
ربما نقول أحيانا أو نسمع عبارة: "لا يهمني تفسير الآخرين لأفعالي". على المستوى الاجتماعي تثير هذه العبارة الجدل، وربما يرى بعضنا فيها شيئا من الحق، والأرجح أن المظهر مهم، وهذا يشمل الفعل والقول، لهذا الانضباط مطلوب في أي سلوك قد ينتج عنه سوء فهم أو تفسير من قبل الآخرين، لكل سياق ظروفه وأحكامه. لكن على مستوى السلوكيات المهنية فالأمر مختلف جدا. إذا أخذنا على سبيل المثال إعلان خرج قبل يومين من هيئة السوق المالية أذكر منه بعض المقتطفات: "انطلاقا من مسؤوليات هيئة السوق المالية في حماية المواطنين والمستثمرين من الممارسات غير العادلة وغير السليمة التي تنطوي على احتيال وغش وتدليس وتلاعب ... وإشارة إلى إعلان شركة ... تود الهيئة إحاطة المتعاملين والمستثمرين أنه صدر قرار مجلس الهيئة بإحالة رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة ولجنة المراجعة والمدير المالي ... إلى النيابة العامة، وذلك للاشتباه بقيامهم بأعمال أدت إلى إيجاد انطباع غير صحيح ومضلل".
يستند إعلان هيئة السوق المالية هنا إلى المادة الـ 49 (فقرة أ) التي تعد "إيجاد انطباع غير صحيح أو مضلل" عمدا مخالفة لأحكام النظام إذا أثر هذا الانطباع في السوق أو الأسعار أو قيمة ورقة مالية بقصد التأثير في سلوك الآخرين. ولم تشترط المادة المذكورة أن يستفيد من أوجد هذا الانطباع بشكل مباشر مما قام به. تعامل أحكام النظام معاملة حازمة وجازمة فمخالفة أي منها يتيح للهيئة إقامة دعوى ضد المخالف، وقد تشمل العقوبات كل ما يقع في قائمة طويلة تبدأ من الإنذار والإلزام بالعمل التصحيحي ودفع التعويضات ومنع الممارسة والحجز والتنفيذ على الممتلكات والمنع من السفر وإيقاع الغرامات. وهذا الأمر ليس حصرا على نظام هيئة السوق المالية، فهو موجود كذلك في مخالفة الإعلانات التي تضلل المستهلك على سبيل المثال. التصرف بطريقة تترك انطباعا مخادعا أو غير حقيقي بقصد في أي أمر منضبط مهنيا أو تشريعيا يعد مخالفة تعرض ممارسها للعقوبة.
الفصل في مسألة إيجاد الانطباعات أو صنع التضليل قابل للضبط بشكل معقول في السياقات المنظمة. على سبيل المثال، يقع تحت طائلة مخالفات نظام هيئة السوق المالية على سبيل المثال من يعمل بشركة مصدرة لورقة مالية أو مستثمر أو وسيط. ومثل هؤلاء تحكمهم لوائح وتشريعات ومعايير عدة، توضح مستوى العناية اللازمة لتنفيذ هذه السلوكيات دون التجاوز أو التأثير بطريقة غير عادلة في الآخرين. من أوضح الأمثلة هنا معايير المحاسبة المعتمدة، استخدامها لغرض إصدار التقارير المالية متطلب نظامي. أي تجاوز على هذه المعايير ولو بغرض تحسين الصورة العامة لا يعد تجاوزا بنية حسنة. بل تضليلا للمستفيد من هذا التقرير، لأن واجب المسؤول هنا هو عرض التقرير بشكل عادل وصحيح، سواء كانت حالة الأداء إيجابية أو سلبية. وفي مثل هذه الظروف لا يخرج الأمر إلى الواقع بشكل يوجد هذه الانطباعات المضللة إلا بالتواطؤ، لأن هناك دوما حدا أدنى من الحوكمة والرقابة لا يجعل القرار في يد شخص واحد فقط. قد يبدأ الأمر بالضغط على صغار المحاسبين وينتهي بمباركة رئيس المجلس.
مثل هذا الأمر ما يخرج أحيانا من بعض القانونيين أو مسؤولي الرقابة، بسبب أخطائهم المقصودة أو غير المقصودة في استخدام المفردات المناسبة، إذ تجدهم يبالغون في التعبير عن "شكهم المهني" قبل أن يمارسوه فكرا وأسلوبا. وربما رأيت ذلك فيمن يحاول أن يدعي أو ينفي أمرا باستخدام مفردات قطعية لا تستند إلى بينة. كلما قلت الخبرة وكثر التعبير وجدنا مزيدا من هذه التجاوزات التي قد تؤثر حتى في المستقبل المهني للممارس فضلا عن أثرها في مخرجات عمله والمستفيدين من إنتاجه. لهذا، من الضروري جدا على كل من يمتهن مسارا مهنيا منظما أو يمارس أنشطة تخضع للرقابة والتنظيم ويود أن يستفيد منها ويحمي نفسه ومن حوله أن يبذل العناية اللازمة فيما يقوم به بقدر ما يتطلبه هذا النشاط، وهذا يشمل الوعي الجيد بمتطلبات الالتزام والسلوك التي تنص عليها الأنظمة والقوانين، سواء كان النشاط سوقا مالية أو نقاشا قانونيا أو إعلانا تجاريا.
إنشرها