كيف تتنبأ الجائحة بأزمة المناخ؟

كيف تتنبأ الجائحة بأزمة المناخ؟
يبذل العالم الغني الآن محاولات على مهل لإنقاذ غابات الأمازون وإرسال لقاحات إلى الدول الفقيرة.

بعد تخلي إنجلترا عن جميع القيود المفروضة على الناس تقريبا بسبب كوفيد -19 في 19 تموز (يوليو) الماضي، لن تكون هذه نهاية الجائحة. وقد لا تكون حتى بداية النهاية. لكنها تنذر بنهاية من نوع ما. ففي يوم من الأيام، ستتخلص الدول الغنية من كوفيد -19 بينما تظل الدول الفقيرة عالقة فيه. وهذا ليس مجرد سيناريو للجائحة. ربما يكون هذا استعراضا تمهيديا لأزمة المناخ.
فقد تسللت كلتا الأزمتين إلينا بطرق مشابهة، كما يشير ديفيد فيسمان، عالم الأوبئة الكندي وعضو في الجدول الاستشاري العلمي لكوفيد -19 في أونتاريو. وهناك نمو هائل "في العدوى، في انبعاثات الكربون" ولكن في البداية دون أضرار مرئية. وتستمر الحياة بسعادة، لأسابيع في حالة كوفيد -19، ولعقود مع الكربون. وبحلول الوقت الذي نتحرك فيه، نكون قد تأخرنا بالفعل. ثم يقوم كل بلد بمفرده تقريبا بتحديد ما ينبغي القيام به. هل ينبغي له إغلاق المدارس وبناء مزارع الرياح؟ إن المشكلات العالمية تتطلب تعاونا عالميا، لكن "الحكومة العالمية" أصبحت شتيمة سياسية مثل "المساعدات الخارجية" أو "التكنوقراطية".
وتتردد نصائح الخبراء على مسامع الزعماء الوطنيين المتذمرين الذين يقلقون بشأن عناوين أخبار اليوم. وفي الوقت نفسه، تستمر روايات معلومات مضللة - "إنها مجرد إنفلونزا!"، و"المناخ يتغير دائما!" - في إيقاع أقلية كبيرة في شرك حتى مع اندلاع الأزمة. إن هناك عددا قليلا من الناس الآن على استعداد للتضحية بحياتهم في الحرب الثقافية، في بعض الدول الغنية، أصبحت الوفيات الناجمة عن كوفيد -19 مركزة بين مناهضي التطعيم الذين لم يتلقوا اللقاحات.
نحن كائنات مبتكرة، وفي حالات الطوارئ، سينقذ الأثرياء والدول الغنية أنفسهم، من خلال الحلول التقنية أو غير ذلك. ولا يوجد لقاح لتغير المناخ ولكن مع تفاقم الفيضانات، ستعمل نيويورك ولندن على تعزيز الحواجز الوقائية. وسيبدأ الأمريكيون بمغادرة كاليفورنيا الجافة وميامي الهالكة إلى المناطق الأكثر برودة، تماما كما ذهب أسلافهم إلى الغرب. وبشكل كبير، قد ينتهي الأمر بالهولنديين إلى هجر بلدهم المنخفض بشكل واسع. فالنكتة المتداولة بين خبراء المياه الهولنديين، "سننتقل جميعا إلى ألمانيا ونتعلم اللغة الألمانية".
لحسن الحظ بالنسبة للهولنديين، هذا الأمر ليس مستحيلا. لكن الدول الفقيرة تفتقر إلى الوسائل اللازمة لتفادي تغير المناخ أو كوفيد -19. "إن الدول ذات الدخل المرتفع أعطت ما يقرب من 44 في المائة من جرعات العالم. والدول ذات الدخل المنخفض أعطت 0.4 في المائة من جرعات اللقاحات فقط" كما قال تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في حزيران (يونيو)، وأضاف أنه من المحبط أن الإحصائيات لم تتغير منذ شهور.
إذن، أصبحت الجائحة مشكلة في العالم الفقير. فإنجلترا تحتفل بـ"يوم الحرية"، والدول الغنية تلقح المراهقين. وفي الوقت نفسه، في بنجلادش، يقوم الجيش بدوريات في الشوارع لفرض الإغلاق الأخير، بينما تخلف الأطفال عن الدراسة لمدة 15 شهرا. وتقول الحكومة التونسية إن "نظامها الصحي قد انهار" في ظل موجة جديدة من الإصابات. وبحلول أوائل شهر حزيران (يونيو)، بدا أن كوفيد -19 قد تسبب بالفعل في مقتل عدد أكبر من الأشخاص في جميع أنحاء العالم مقارنة بعام 2020 بأكمله. لكن وفيات الفقراء ليست خبرا جديدا. في الواقع، تعتمد قيمة حياة الإنسان على جنسيته.
إن هذه إعادة لأزمة فيروس نقص المناعة البشرية. فبمجرد أن بدأت الأدوية الجديدة في إنقاذ الغربيين الأغنياء في التسعينيات، مضى الغرب قدما، بينما ظل الأفارقة يموتون. ويبلغ عدد الوفيات العالمية من فيروس نقص المناعة البشرية الآن نحو 32 مليون.
مع الجائحة، يقول عديد من المنظمات غير الحكومية على نحو صائب إن من مصلحة العالم الغني المساعدة على تطعيم الفقراء. فلن يكون دلتا هو آخر متحور للفيروس يتحدى اللقاح جزئيا ويخرج من بلد فقير ويعض الأغنياء. فلا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان، هذا هو الشعار. وينطبق الشيء نفسه على البيئة، تدمير الأمازون هو أحد أشكال متحور دلتا بالنسبة للمناخ. فعندما تتقلص الغابات المطيرة البرازيلية، تزداد درجة الحرارة في الدول الغنية أيضا.
ويبذل العالم الغني الآن محاولات على مهل لإنقاذ غابات الأمازون وإرسال لقاحات إلى الدول الفقيرة. لكن خطته الرئيسة أبسط، فلننقذ أنفسنا، ثم نحبس الفقراء. ويكاد يكون السفر إلى أوروبا المحصنة من دول القائمة الحمراء الفقيرة أمرا مستحيلا للجميع باستثناء الأغنياء جدا. فقد بحثت بريطانيا أمر ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. إنه لأمر وحشي، لكن هذه هي الطريقة التي تم بها تصميم ديمقراطية الدولة القومية للعمل، السياسيون يقلقون بشأن ناخبيهم. هذا هو السبب في قيام بريطانيا بقطع المساعدات الخارجية في العام الذي ارتفع فيه الفقر العالمي لأول مرة منذ عام 1998. لقد غذت الجائحة مشاعر الشفقة على النفس في العالم الغني.
إن كل هذا هو استعراض تمهيدي لأزمة المناخ، عندما تكون الدول الفقيرة التي دمرها التصحر أو ارتفاع منسوب البحار معزولة - بل محذوفة من الخريطة العالمية، في واقع الأمر. كل ما سنريده منهم هو المواد الخام. النموذج هو العلاقة التي تربط الدول الغنية بجمهورية الكونغو الديمقراطية، تتأتى قيمتها ككل تقريبا كمورد للمعادن، مثل الكوبالت الذي يسمح لنا بتشغيل أجهزتنا وسياراتنا الكهربائية.
إذا كان الأمل الوحيد الآن هو الصحوة الأخلاقية، فلا أمل إذن. بناء على ما تعلمنا من الجائحة، فإن أفضل فرصة لدينا لتجنب كارثة المناخ حل تقني تم تطويره في بلد غني لمصلحته الذاتية الذي من شأنه أن ينقذ العالم بتكلفة إضافية متواضعة. لقد قيل لي إن امتصاص الكربون من الغلاف الجوي بالحجم المطلوب قد لا يكون مستحيلا تماما.

الأكثر قراءة