أعراض كوفيد طويلة الأمد تستعصي على الفهم

أعراض كوفيد طويلة الأمد تستعصي على الفهم
مخاوف من أن يتسبب رفع القيود في إصابة مزيد من الأشخاص به.

قبل أيام من إغلاق بريطانيا لأول مرة في آذار (مارس) 2020، أصيبت كلير هاستي بمرض كوفيد -19. وبعد مضي 16 شهرا، ما زالت تعاني آثار المرض، الذي كانت تخشى في أشد حالات ضعفها أن تؤدي إلى وفاتها.
تتذكر هاستي (48 عاما)، التي لم تتمكن من العودة بدوام كامل إلى وظيفتها في مجال الاتصالات المؤسسية "لقد قلت لأحد أبنائي إنه إذا لم أستيقظ ذات صباح، فاعلم أني قد عشت حياة سعيدة. حاولت أن أقول له بطريقة لطيفة إني سآتيه في أحلامه... لقد اضطررت إلى استجماع كل طاقتي حتى أكتب بعض الأمنيات التي أود تحقيقها في نهاية حياتي هذه، وأطلعت كلا من أمي وأختي عليها".
وعلى الرغم من أن مستويات الأكسجين لدى هاستي لم تنخفض لدرجة تستدعي دخولها إلى المستشفى، إلا أنها لا تزال تعاني عدة أعراض مضنية، تراوح بين ضيق في التنفس إلى ضعف الإدراك. وهذا تذكير يومي مؤلم بأنه على الرغم من إحراز تقدم كبير في السيطرة على المرض نفسه، إلا أن "آثاره طويلة الأمد" مستمرة في تحدي محاولات العلماء لعلاج المتلازمة وكشف مسبباتها.
وأسست هاستي مجموعة على "فيسبوك" لدعم المصابين بكوفيد طويل الأمد، حيث يبلغ تعداد أعضائها نحو 42 ألف عضو من 100 دولة حول العالم. فيما قالت إن أبناءها الثلاثة قد أصيبوا بالحالة المرضية نفسها بعد أن التقطوا عدوى كوفيد -19 منها العام الماضي. وقالت إن أصغرهم توأمان في 12 من العمر، حيث لا يزالان يتغيبان عن المدرسة باستمرار بسبب مشكلات مزمنة في المعدة.
في الوقت الذي تواجه فيه المملكة المتحدة ودول أخرى موجة جديدة من المرض، يتسابق العلماء لمعرفة أسباب مرض كوفيد طويل الأمد، وسط مخاوف من أن يتسبب رفع القيود في إصابة مزيد من الأشخاص به، على الرغم من إثبات فاعلية اللقاح في تثبيط عدد الوفيات والحالات التي تستدعي إدخالها إلى المستشفى.
أما في الهند - التي تضررت من موجة شرسة لكوفيد -19 أخيرا، يشهد الأطباء العاملون في الصفوف الأمامية ارتفاعا في نسبة حالات الإصابة بفيروس كوفيد طويل الأمد، فيما افتتح عديد من المستشفيات الخاصة والعامة "مراكز عناية ما بعد الإصابة بكوفيد" التي تتخصص في تقديم العلاج والدعم.
وقدر الدكتور رانديب جوليريا، مدير معهد عموم الهند للعلوم الطبية، أن ما نسبته 40 إلى 60 في المائة من مرضى كوفيد -19 في الهند لا تزال معاناتهم من حالات صحية مستمرة لمدة تصل إلى 12 أسبوعا. ومن بين هؤلاء لا يزال 10 إلى 15 في المائة يعانون الآلام "الشائعة" لفيروس كوفيد طويل الأمد - مثل ضيق التنفس وآلام المفاصل وضبابية في الدماغ والإرهاق المزمن - حتى بعد ثلاثة أشهر.
وقال جوليريا إن المستشفيات الهندية تقوم بإجراء دراسات مختلفة حول مرض كوفيد طويل الأمد، ومن هذه الدراسات محاولة معرفة ما إذا كان ممكنا لبعض المؤشرات الحيوية المحددة أن تتنبأ بأولئك المرضى المعرضين للخطر عند مغادرتهم للمستشفى. وما إذا كان بمقدور اليوغا التقليدية أن توفر علاجا فعالا للمرض. وتبحث الحكومة في كيفية علاج مرض كوفيد طويل الأمد في المناطق الريفية التي تضررت بشدة في الموجة الأخيرة.
وفي الولايات المتحدة، قامت منظمة "فير هيلث" غير الربحية، بدراسة سجلات المطالبة بالرعاية الصحية لنحو مليونين من مرضى كوفيد -19، واكتشفت أن ما يقارب واحدا من كل أربعة مرضى على الأقل، قد أصيبوا بواحد على الأقل من أعراض ما بعد المرض.
أما في المملكة المتحدة، فتقول الدراسة التي أجرتها "لندن إمبيريال كوليج" بعنوان "ردة الفعل"، إن ما يقرب من 38 في المائة من المصابين بكوفيد -19، لا زالوا يعانون واحدا أو أكثر من أعراض المرض بعد مضي 12 أسبوعا.
فيما قال الدكتور توبي هيلمان، الذي بات خبيرا في الأعراض بعد إنشاء أحد أبكر مراكز علاج كوفيد التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في مستشفيات "يونيفيرسيتي كوليدج لندن" في شهر أيار (مايو) 2020، إن المركز عالج لغاية الآن نحو 1700 شخص. وأضاف أن أولئك الذين تلقوا العلاج، كانوا في الغالب في الثلاثينيات أو الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، وأنهم كانوا لائقين جسديا قبل إصابتهم بالمرض، وفي هذا تحد للصورة النمطية القائلة إن كوفيد -19 يتسبب في معظم المشكلات للمرضى المسنين الذين يعانون حالات مرضية سابقة.
وقد تولى أطباء الجهاز التنفسي زمام المبادرة في بداية الأمر، ولكن مع بروز مجموعة متنوعة من الأعراض، تم تجنيد متخصصين في أمراض القلب والأعصاب والأذن والأنف والحنجرة والأمراض الجلدية لمواجهة المرض.
وأضاف هيلمان، "لقد أصبح هذا نوعا شاملا من الاضطراب متعدد المناحي، والاختلالات في الأنظمة، الأمر الذي يتحدى كل محاولات الحصول على تشخيص واضح في الوقت الراهن".
وأظهرت دراسة دولية أجريت على 3700 مريض بكوفيد طويل الأمد من 56 دولة، بقيادة "يونيفيرسيتي كوليج لندن"، مقدار التنوع المذهل الذي تتجلى به هذه الحالة المرضية. فقد تم تسجيل أكثر من 200 عرض في عشرة من أنظمة الأعضاء لدى المرضى.
وقالت أثينا أكرمي، عالمة الأعصاب في "يونيفيرسيتي كوليج لندن"، التي قادت دراسة نشرت في مجلة "إكلينيكال ميديسين" التابعة لدار لانسيت للنشر، إنه من المحتمل أن يكون هناك "عشرات الآلاف من مرضى كوفيد يعانون بصمت" غير متأكدين من ارتباط أعراضهم بكوفيد -19. ودعت أكرمي إلى برنامج وطني على مستوى المجتمع قادر على "فحص وتشخيص وعلاج جميع الأشخاص المشتبه في إصابتهم بأعراض كوفيد طويل الأمد".
فيما ستعلن قريبا كل من المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، والمعهد الوطني للبحوث الصحية في المملكة المتحدة، إبرام اتفاقيات جديدة للبحث في هذه الحالة.
وقال هيلمان "تنتشر الآمال الزائفة بشكل كبير في حال عدم توافر المعلومات، وهذا ما حصل تماما فيما يتعلق بكوفيد طويل الأمد". وأضاف، "هناك من النظريات أكثر مما يمكنك التخلص منها فيما يتعلق بمسببات {ذلك}".
لقد حيرت جذور مرض كوفيد طويل الأمد والمظاهر المختلفة للإصابة به العلماء الأمريكيين بالدرجة نفسها. حيث قال مايكل ساج، العميد المشارك للصحة العالمية في جامعة ألاباما في برمنغهام إن "كوفيد طويل الأمد هو لغز. فمهمتنا الأولى الحصول على تعريف للحالة متفق عليه وموثق، وسيساعد ذلك بشكل جزئي على إيجاد الوعي".
وإحدى السبل الواعدة التي يتم التحقق منها حاليا، أن مرض كوفيد طويل الأمد حالة من أمراض المناعة الذاتية - الأمر الذي يقول فيه هيلمان، إن المرضى أنفسهم كانوا على اشتباه به منذ فترة طويلة. وقال إن ما تم إجراؤه في "إمبريال كوليج لندن" أخيرا، يشير إلى أن "الجسم قد بدأ في التعرف على البروتينات الخاصة به كشيء خارجي، ما يؤدي بالجسم إلى تحويل دفاعاته ضد نفسه".
وأوضح داني ألتمان، أستاذ علم المناعة في جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، أن مختبره يعمل على اكتشاف الأجسام المضادة الذاتية المرتبطة بكوفيد طويل الأمد، التي يمكن استخدامها للتشخيص، لكنه لم يرغب في الإسهاب في التفاصيل. وقال ألتمان، "لا أرى مانعا من أن نكون قادرين على التأكد من هذا الأمر عند القيام باختبار تشخيصي في غضون ستة أشهر".
أما في هذه الأثناء في الولايات المتحدة، يقوم الباحثون بالتركيز في جامعة ييل على تحديد الأسباب التي تؤدي إلى مشكلات في الجهاز التنفسي مثل ضيق النفس وآلام الصدر، التي يمكن أن تظهر بعد أسابيع من العدوى الأولية بفيروس كوفيد -19.
ووجد العلماء في عينات الدم ثلاثة بروتينات مرتبطة بتعطل وظيفة الرئة على المدى الطويل. حيث أشار هيونغ تشون، المدير المشارك لمركز ييل لأبحاث القلب والأوعية الدموية، إلى أن البروتينات كانت مرتبطة سابقا بإصابة حادة بمرض فيروس كورونا، وقد كان من المثير للاهتمام أنه تم اكتشافها بمستويات مرتفعة لدى مرضى عانوا لفترة طويلة كوفيد -19. وقال، "لا يبدو أن هناك آلية متعارفا عليها عالميا تقود هذه الأعراض... إنه شيء نحقق فيه جميعا بهمة عالية".
وحتى في الوقت الذي يقوم فيه العلماء من كلا جانبي المحيط الأطلسي بتكثيف جهودهم لفهم هذه الحالة، فإنهم يتبادلون الشعور بالقلق من زيادة حالات الإصابة بكوفيد طويل الأمد، التي قد تنجم عن الرفع المبكر للقيود. وقد أشارت نسرين علوان، الأستاذة المساعدة في مجال الصحة العامة في جامعة ساوثامبتون، التي أصيبت بأعراض طويلة الأمد بعد وعكة صحية ألمت بها بسبب الفيروس العام الماضي، إلى أن معدلات دخول المستشفى والوفاة في الأغلب ما يتم عرضها في المؤتمرات الصحافية لرئاسة الوزراء لشرح طريقة تفكير الحكومة، بينما لم تقم بنشر البيانات المتعلقة بكوفيد طويل الأمد أبدا.
ويخشى البعض من أن يكون هذا المرض بمستوى مرض شلل الأطفال لهذا الجيل - مستذكرين الأمراض المعدية التي أبقت العالم في عبودية لعقود مضت، وتسببت في مشكلات صحية مدى الحياة للناجين.
بينما يعتقد هيلمان أن لكوفيد طويل الأمد تأثيرا أقل حجما، وبالمثل سيكون التأثير في المجتمع عميقا. حيث قال، "أعتقد أنه يمكنك مقارنة درجة الضعف التي يعانيها الناس بسبب مرض كوفيد طويل الأمد ببعض حالات الإعاقة التي يعانيها الأشخاص المصابون بشلل الأطفال... فنحن نتحدث عن فئة الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من العمر. فمنهم من لديهم عائلة، ومنهم المدرسون، وسائقو حافلات... حيث يكافح كثير منهم بحق للعودة إلى العمل بدوام كامل، أو حتى في بعض الحالات تجد منهم من يكافح ابتداء للعودة إلى العمل. وهذا ما نراه يحدث بعد ستة أو تسعة أشهر من ظهور الجائحة".

الأكثر قراءة