الذكاء الاصطناعي يسحب كرسيا إلى طاولة المفاوضات

الذكاء الاصطناعي يسحب كرسيا إلى طاولة المفاوضات

الخيال العلمي أثار عقودا من الجدل حول ما إذا كانت الحروب المستقبلية ستصبح أكثر فتكا من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح. لكن، في العالم الحقيقي، يتم تسخير الذكاء الاصطناعي للتوسط في السلام.
ظهرت هذه الفكرة لأول مرة قبل أربعة أعوام عندما سأل أعضاء فريق الأمم المتحدة كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لإجراء مسح على سكان مناطق الصراع حول ما يريدون من اتفاقيات السلام. السؤال عن آراء الناس أمر مهم لأن اتفاقيات السلام ووقف إطلاق النار من المرجح أن تستمر إذا كانت تعكس آراء جميع السكان، بدلا من مجرد عدد قليل من المفاوضين. لكن إجراء استطلاعات الرأي وجها لوجه أمر صعب في بلد في حالة حرب، المتطلبات الأمنية تجعل الأمر معقدا ومكلفا ويستغرق وقتا طويلا.
شركة "ريميش" الناشئة في نيويورك ربما وجدت حلا - استطلاع مدعوم بالذكاء الاصطناعي يمكن أن يصل إلى أكثر من ألف شخص، وإشراكهم في محادثات في الوقت الفعلي حول التغييرات التي يريدون رؤيتها.
جربت الاستطلاعات في ليبيا في تشرين الأول (أكتوبر) قبل وقف دائم لإطلاق النار الذي أنهى نحو عقد من عدم الاستقرار. تم إعلان تواريخ المناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي ودعي المشاركون المهتمون للوصول إلى منصة "ريميش" دون الإفصاح عن هويتهم من هواتفهم المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر. خلال كل حوار، سئل المشاركون عن أولوياتهم لإعادة توحيد البلاد واستقرار الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية.
وما فاجأ المنظمين أن المبادرة جذبت الانتباه لدرجة أن أحد الاستطلاعات الجماهيرية تم بثها مباشرة على قناة إخبارية ليبية، إذ ناقش المعلقون في الاستوديو الردود. يقول جان العلم، المسؤول في بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، "كان أهم جزء من هذا هو شعور الناس بالانخراط. لقد أحضرنا هذه النتائج إلى طاولة حوار (صنع السلام) وقلنا، هذا ما يريده شعبكم حقا - وليس ما تقولونه أو تعتقدون أنهم يريدونه (...) هذا أضاف إلى شفافية العملية. إنه يمنحها مزيدا من المصداقية". اتفاق وقف إطلاق النار الناتج، على الرغم من هشاشته، صمد حتى الآن. ومن المقرر إجراء مزيد من الحوارات مع تقدم محادثات السلام.
ما يتجاوز طاولة مفاوضات الأمم المتحدة، منصات الاستطلاع المدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد على بناء توافق في الآراء حول مزيد من الخلافات اليومية. استخدمت تايوان "بول.إز" تقنية مفتوحة المصدر تم تطويرها في سياتل، للتوصل إلى اتفاق شعبي حول كيفية تنظيم تطبيق التوصيل "أوبر". واستخدمت الجمعيات الحكومية المحلية في الولايات المتحدة وكندا "إثيلو" أداة مسح أخرى لاستطلاع آراء المجتمعات حول موضوعات مثل تخطيط المدن وتسعير النقل.
يقول أندرو كونيا، المؤسس المشارك لـ"ريميش"، إن إدارة الحوارات قد وصفت بأنها مثل "التحدث إلى ذكاء خارق جماعي". بالنسبة للصحافي الذي يطرح أسئلة من أجل لقمة العيش، هذه فرصة مغرية.
أعدت "ريميش" استطلاعا صغيرا شمل 80 أمريكيا، من خلفيات متنوعة. على مدار 45 دقيقة، سألتهم عن مكانة الولايات المتحدة في العالم، وما إذا كانت سمعتها الدولية آخذة في الارتفاع أو الانخفاض، قال 55 في المائة إنها تنخفض. جمع النظام الردود ذات المعاني المتشابهة وطلب من المشاركين الموافقة أو عدم الموافقة على عبارات مختارة حول نطاق واسع من وجهات النظر. وفي أي مرحلة، يمكنني أن أطلب من النظام تحليل الردود وفقا لتصنيف العمر أو الجنس أو الانتماء السياسي.
كان الإنجاز التخلي عن النص المخطط لي وتكييف أسئلتي مع الإجابات التي كنت أتلقاها. عندما قال بعض من المشاركين إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم سلطتها ونفوذها بشكل مسؤول، سألت عما يعنيه هذا. "قبول قدم المساواة في المشهد الدولي بدلا من التصرف مثل متنمر ضخم"، جاء هذا الرد وحاز تقييما عاليا من الزملاء المشاركين.
أدوات الاستطلاع عبر الإنترنت فيها عيوب واضحة. لأنها تعتمد على المشاركين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى كل من الإنترنت الجيد وأجهزة تعمل. هناك أيضا خطر أنه دون أعلى مستويات الأمن السيبراني، تكون منصات الاستطلاع هذه عرضة للقرصنة.
مع ذلك، تعتقد كاتارينا هون، الخبيرة في استخدام التكنولوجيا للدبلوماسية في مؤسسة "ديبلو" غير الربحية، أن هذه الأنظمة واعدة. مع تطورها، تشير إلى أنها قد تكون مفيدة في مكافحة الانقسامات السياسية والأيديولوجية التي تتأجج أثناء التفاعلات عبر الإنترنت.
"لدينا أدوات وسائل التواصل الاجتماعي التي يبدو أنها تضخم غرف الصدى الاجتماعية (...) وتركز على الفضيحة والغضب، ومن ناحية أخرى لدينا القدرة على بناء أدوات تسمح لنا بإجراء محادثات بطريقة مختلفة "، حسبما تقول. وتضيف هون، "التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تدعم كلا الجانبين، ما يؤجج الصراع بشكل محتمل، ولكنه يسهم في التغلب عليه أيضا".

الأكثر قراءة