حلول المنتجين وتوازن السوق

نجحت مجموعة "أوبك +" في تجاوز مشكلة اجتماع الشهر الماضي، الذي انتهى من دون اتفاق واضح المعالم بشأن زيادة حصص إنتاج بين الأعضاء. وحقيقة، الاختلاف - كما يقال - لا يفسد للود قضية، فهو اختلاف صحي يوضح مدى صلابة المجموعة، وأنها تمثل الخيار الصحيح للحوار بين منتجي النفط، وقد أثبتت الأحداث والقضايا الخلافية النفطية السابقة أنها جاءت نتيجة فقدان هذه المنصة المهمة. وانتهاء الاجتماع الماضي دون اتفاق، لم يكن يعني أكثر من استمرار الأعضاء في الحوار، وأن القرار لم يزل يطبخ في دوائره، فلكل دولة قضاياها ومتطلباتها التنموية، ولهذا قد يطول الحوار ويقصر، لكن المنصة لا تتغير، بل تظل ثابتة في مكانها، وهذا ما حدث فعلا مع مطلع هذا الأسبوع، حيث اتفقت المجموعة على زيادة حصص إنتاج أعضائها من النفط 400 ألف برميل يوميا على أساس شهري بدءا من آب (أغسطس) 2021.

وبذلك، سيرتفع إنتاج السعودية وروسيا إلى 11.5 مليون برميل يوميا لكل منهما بداية من أيار (مايو) 2022، كما سترتفع حصة الإمارات إلى 3.5 مليون برميل يوميا، وسيتم تعديل حصص العراق والكويت. وهنا، أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، أن الحوار والتفاهم بين كل الأطراف هو، المرتكز في النجاح، وهو الذي يبعث الروح الإيجابية بين المنتجين، ويمكن من تجاوز التحديات واستمرار التعاون حتى بعد 2022. فخطة التعاون بين المنتجين - كما أشار وزير الطاقة - لا تكون مقتصرة على عدة أشهر، لكنها وضعت لتمتد إلى أعوام، وتكون رمانة التوازن لسوق الاقتصاد العالمي كله.

وفي هذا السياق، وتأكيدا على أن عدم الوصول إلى اتفاق في أي اجتماع لا يعني انتهاء كل شيء، بل يعني مراجعة الوضع، والعودة بتفاهم جديد، فقد أكد وزير الطاقة الإماراتي أن الحوار كان وثيقا مع السعودية، ومع روسيا والجميع، وأن الإمارات ستظل ملتزمة تجاه تحالف "أوبك +"، لاتخاذ القرارات وفق إرادة جماعية لتحقيق التوازن. "أوبك +" بقيادة السعودية، ومن خلال قدرتها على التفاهم والحوار مع روسيا خاصة، والثقة التي تتمتع بها بين الأعضاء المنتجين، قادرة على التغلب على التحديات التي قد تواجه السوق في المستقبل، فهذا ما ألمح إليه وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، عندما قال إنه لا أحد يعرف بدقة ما سيحدث بشأن عودة الصادرات الإيرانية، كما أن هناك تطورات مقبلة مع عودة إنتاج فنزويلا أو التعافي العالمي بعد الجائحة، ما يعني حالة من عدم اليقين تعم الاقتصاد العالمي، وقد أشار إليها وحذر منها صندوق النقد الدولي حين أكد أن النمو العالمي لا يزال غير متواز، وهناك دول قد تتخلف عن الركب.

ومن خلال حديث وزير الطاقة، فإن السوق البترولية ليست بمنأى عن ذلك، كما أن الأحداث الأخيرة التي مرت على أوروبا وما واجهته من فيضانات، قد صعدت الحديث عن الاحتباس الحراري والظواهر المناخية المصاحبة له، وهو ما يدعو إلى مزيد من التعاون بشأن معالجة الانبعاثات الكربونية. هذه التحديات جميعها الباعث فيها على الثقة هو إدراك "أوبك +" لها، فالزيادة بمقدار 400 ألف برميل يوميا تعد مناسبة، بل قد لا يستطيع بعض المنتجين تحقيقها كاملة. وفي حديث وزير الطاقة ما يطمئن الأسواق، وأن المجموعة تراقب تطورات الجائحة، وستقوم بمراجعات مستمرة لخطط الإمدادات، وستجتمع في أيلول (سبتمبر) المقبل لاتخاذ قرارات تتناسب مع تطورات السوق، بينما تتواصل اللقاءات الشهرية للمناقشة والحوار والتقييم.

وبشأن تحدي ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن السعودية تعمل مع جميع الدول الصديقة على خفض انبعاثات الكربون. والتوازن مهم هنا بشكل أساس، فالسعودية - كما أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان - لديها موارد ضخمة من الطاقة الجديدة، لكنها في الوقت نفسه ستستمر في لعب دور كمنتج رئيس للطاقة حول العالم، وهذا يتحقق من خلال المحافظة على احتياجات العالم من النفط مع تنامي إنتاج الطاقة المتجددة.

كما تعمل السعودية في الوقت نفسه على خفض الانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري، باستخدام التقنية والابتكارات في مسار إعادة الاستخدام، ومسار تدوير الانبعاثات إلى منتجات ذات قيمة، وقد نجحت فعليا في إنتاج الهيدروجين، والأمونيا الزرقاء، وعقدت اتفاقيات دولية بهذا الشأن. وهكذا ستعمل "أوبك +"، لتحقيق التوازن في إمدادات الطاقة مع عودة التعافي للاقتصاد العالمي، فلا تسبقه ولا يسبقها، وهذا كله في مسار حوكمة يضمنه الحوار والنقاش، والتدارس، والمراقبة، والشفافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي