العملات الرقمية على مرمى الحكومات

"العملات الرقمية، هي عملات مضاربية غير فاعلة في التعاملات"
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية

من الواضح أن السلطات في أكثر من بلد بدأت تتجه بصورة عنيفة ضد العملات الرقمية، على الرغم من أن الحكومات حول العالم، لم تقم، بعد أكثر من عقد على إطلاق هذه العملات، بأي خطوات لإخضاعها للمعايير والقوانين التنظيمية. تركت الساحة مفتوحة لتظهر العملة الرقمية تلو الأخرى، بصرف النظر عن التباين في القيمة بين هذه العملة وتلك. ويبدو أن الحكومات "ولا سيما في العالم الغربي"، تركت الأمور على ما هي عليه كوسيلة لاختبار العملات الرقمية، من حيث قوتها وانتشارها وتماسكها، قبل أن تتخذ قرارات بشأنها، وقبل أن تفكر في إمكانية أن تطرح الحكومات ذاتها عملاتها الرقمية عبر بنوكها المركزية. في الأعوام العشرة الماضية، تحركت العملات الرقمية بحرية تامة، رغم كل المخاطر التي تلتف حولها.
الحملة الجديدة ضد هذه العملات أتت أخيرا من بريطانيا، حيث صادرت السلطات المختصة ما قيمته 180 مليون جنيه استرليني من العملات الرقمية، في إطار تحقيق يتعلق بغسل الأموال. وفي الفترة نفسها، تم القبض على أربعة أشخاص في هونج كونج للاشتباه في تورطهم في تبييض أموال تصل قيمتها إلى 155 مليون دولار عبر عملات رقمية. وقبل أشهر حذرت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من العمليات المتزايدة في غسل الأموال عبر التطبيقات الخاصة بالعملات الرقمية. حتى دونالد ترمب الرئيس الأمريكي السابق، وصف عملة "بيتكوين" خصوصا، بأنها عبارة عن عملية احتيال، تؤثر في قيمة الدولار. وعد أولاف شولتز وزير المالية الألماني، في أكثر من مناسبة، أن العملات الرقمية تثير القلق، وأن بلاده ستؤيد حتما إطلاق عملة رقمية أوروبية موحدة.
كل الجهات الرسمية الغربية تنظر بعين الريبة إلى العملات الرقمية، ولكن تركت الأمور تجري عمليا دون قيود أو رقابة، دعك من القوانين التنظيمية الغائبة أصلا. وأعداد المتعاملين بهذه العملات ترتفع بصورة مخيفة، وسط تذبذبات هائلة لقيمة العملات المشار إليها، إلى درجة أن خسرت العملة الأشهر "بيتكوين"، في غضون أيام، نحو 50 في المائة من قيمتها. فوفق "سلطة السلوك المالي" البريطانية، وهي الجهة الوحيدة المخولة بحق تنظيم الخدمات المالية في البلاد، فإن 2.3 مليون بريطاني يحملون حاليا عملات مشفرة، مقابل 1.9 مليون في العام الماضي. والأمر يتشابه في هذا الخصوص في بقية البلدان الأوروبية الأخرى، خصوصا تلك التي تتمتع بقدرات اقتصادية كبيرة. واللافت، أن نسبة المستثمرين في العملات الرقمية الذين يعدون أنها مقامرة، انخفضت في العامين الماضيين من 47 إلى 38 في المائة.
الذي يحدث حاليا أن الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة لا تزال غير واضحة حيال الأمر برمته، بصرف النظر عن الاعتقالات ومصادرة الأموال عبر هذه العملات. كما أنه ليس هناك توجه واضح بشأن إطلاق الدول عملاتها الرقمية الرسمية الخاصة. وربما القرار الأهم الذي من المتوقع أن تتخذه الإدارة الأمريكية حيال هذه السوق النقدية الغامضة، هو فرض ضرائب على الأمريكيين في الداخل والخارج، الذين يتداولون هذه العملات، لمعرفة استثمارات هؤلاء بدءا من الأصول المعروفة لديها ووصولا إلى العملات الرقمية. في حين أن الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيدا عن إصدار عملته الرقمية رغم مساندة البنك المركزي الأوربي مثل هذه الخطوة. الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، بحسب مسؤولين في المفوضية الأوروبية، علما بأنهم يعترفون بخطورة ترك الساحة بلا قيود أو رقابة أو تنظيم.
يؤكد مختصون أن الجهات التنظيمية تجد مصاعب جمة في محاسبة وملاحقة أي فرد أو جهة مرتبطة بصناعة العملات الرقمية - المشفرة، وذلك على عكس المصارف التقليدية التي تسهل رقابتها وفرض القوانين التنظيمية عليها. لكن هذا يترك الباب مفتوحا بالفعل أمام المتعاملين بهذه العملات للقيام بأعمال غير شرعية أو قانونية. فلا بد من أن تكون هناك إجراءات عملية وواقعية للسيطرة على سوق العملات المشار إليها، ليس فقط من جهة فرض الضرائب "كما ستفعل واشنطن لاحقا بالنسبة إلى مواطنيها المستثمرين"، لكن أيضا من ناحية ضمان عدم وصول العصابات المنظمة والأفراد الخارجين عن القانون، فضلا عن أولئك الذي ينشطون في مجال الإرهاب، إلى هذه السوق التي تتسع يوما بعد يوم.
بلغت قيمة العملات الرقمية بداية العام الجاري أكثر من ثلاثة تريليونات دولار. صحيح أنها تراجعت بصورة كبيرة جدا بحلول منتصف العام، لكنها لا تزال سوقا كبيرة جدا، إذ إن أكبر عشر عملات رقمية تصل قيمتها إلى 1.8 تريليون دولار. علما بأن هناك ما يقرب من أربعة آلاف عملة رقمية يتم التداول بها حاليا. لا شك في أن سوق العملات الرقمية تتطلب قرارات حكومية واضحة، والأفضل أن تكون سريعة، ليس فقط من ناحية الرقابة المطلوبة، بل من جهة حسم هذه الحكومات موقفها بشأن إطلاقها عملاتها الإلكترونية الخاصة بها عبر بنوكها المركزية. مثل هذه العملات ستجعل السوق أكثر استقرارا وأمانا للأموال الحقيقية التي تضخ فيها.
بلغت قيمة العملات الرقمية بداية العام الجاري أكثر من ثلاثة تريليونات دولار. صحيح أنها تراجعت بصورة كبيرة جدا بحلول منتصف العام، لكنها لا تزال سوقا كبيرة جدا، إذ إن أكبر عشر عملات رقمية تصل قيمتها إلى 1.8 تريليون دولار. علما بأن هناك ما يقرب من أربعة آلاف عملة رقمية يتم التداول بها حاليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي