Author

لا صداقة دائمة ولا عداء دائم بين الدول

|
عنوان المقال مأخوذ من مقولة مشهورة للسياسي البريطاني الشهير تشرشل "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة". والعلاقات بين الدول وسلوكياتها تماثل إلى حد كبير العلاقات بين الأفراد، فالعلاقات بين الأفراد تقوم في الأغلب على مصالح متبادلة، ليست بالضرورة مادية، فقد تكون دعما معنويا أو حاجة عاطفية، أو تشجيعا ومساندة ونحو ذلك. وكذا الدول، خاصة تلك تربطها صلة الجوار، ما يحتم التعايش وتعظيم الجوانب الإيجابية فيما بينها، فمن الحكمة النظر للأمور بإيجابية، أي: محاولة تحويل المواقف السلبية إلى إيجابية تعود للجميع بالخير والأمن والسلام من خلال الدبلوماسية والحوار، مع ضرورة بناء قوة ذاتية من النواحي العلمية والاقتصادية والعسكرية. ومن الأمور المؤثرة في تعزيز العلاقات بين الدول محاولة إبراز أهمية دولة معينة بالنسبة للدولة الأخرى، في مجالات الاستقرار الإقليمي، والتجارة المتبادلة، والاستثمار، ونحو ذلك. ومع ذلك ينبغي ألا يغيب عن الذهن حقيقة أن العلاقات الدولية هي تفاعلات بين الدول تأخذ أحد النمطين: النمط التعاوني أو الصراعي، والأخير هو الأكثر شيوعا رغم محاولة كثير من الدول إخفاء ذلك تحت ستار العلاقات الودية التعاونية، بدوافع كسب مزيد من القوة والنفوذ.
تزخر كتب العلاقات الدولية بالنظريات والنماذج التي تصف استراتيجيات تعامل الدول فيما بينها، ومنها ما يعرف بالواقعية، أي إن جميع الدول تعمل على زيادة قوتها، من أجل زيادة ازدهارها وتجاوزها للدول الأخرى، مع الإيمان بأن المصلحة الأولى للدولة تكمن في الحفاظ على كيانها، ومن ثم الاستمرار في السعي لاكتساب مزيد من القوة كضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية. وبناء عليه، فإن السعي وراء أرضية أخلاقية عالية قد لا تستطيع الحكومات تحقيقها دائما، لكن يأتي رفع مستوى الدفاع عن الوطن في مقدمة الأولويات. وفي هذا السياق يقول كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، إنه "ليس من مصلحة أمريكا أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وتحركها حسب المصلحة القومية الأمريكية". إلى جانب ذلك، هناك ما يعرف بالاستراتيجية الليبرالية أو الناعمة في التعامل بين الدول، وذلك بالاعتماد على مبدأ التعاون والقوة الناعمة لتعزيز مصالح كل دولة، باستخدام القوة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية، أي: إن الدبلوماسية أكثر فاعلية في تعزيز المصالح السياسية من التهديد بالقوة، خاصة مع وجود منظمات الأمم المتحدة.
ختاما، هل ستعود الدول العربية لتمثل كتلة دولية مؤثرة؟ إن كان ذلك، فليس في المستقبل القريب. ولكن ينبغي تعزيز العلاقات البينية العربية مع أخذ العبرة من الأحداث والتجارب السابقة.
إنشرها