الملاذات الضريبية .. الشركات أم الدول؟  

كما كان متوقعا، أيدت مجموعة العشرين التوجه نحو منع الشركات متعددة الجنسيات من تحويل أرباحها إلى ملاذات ضريبية منخفضة، وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تأييد مشابه صدر الشهر الماضي عبر توصية من قبل مجموعة السبع، التي تضم "العشرين" معظم أعضائها.

وحقيقة، إن هذا التوجه العالمي على مستوى كيان يسيطر في الواقع على 80 في المائة من الاقتصاد الدولي، بات ضروريا الآن أكثر من أي وقت مضى، فالحكومات حول العالم تسعى للوصول إلى تمويل موازناتها العامة التي دخلت حتى قبل وباء كورونا المستجد في العجز شبه المتواصل، ومع انفجار هذا الوباء، اضطرت لرفع حجم الإنفاق لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، ما أدى تلقائيا إلى ارتفاع الدين العام في معظم الدول.

إن الضائقة الاقتصادية والمالية التي جلبها فيروس كوفيد - 19 ليست - بالطبع - السبب الوحيد لإسراع الكيانات الكبرى المؤثرة على الساحة الدولية لإقرار وفرض ضرائب عالمية على الشركات متعددة الجنسيات، بل هناك أسباب عديدة تبدأ في الواقع من تهرب نسبة كبيرة من هذه الشركات من دفع الضرائب حتى في دولها الأصلية، إلى درجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال بصورة علنية، إن عشرات الشركات الكبرى لم تدفع سنتا واحدا كضريبة دخل.

وتعد الشركات الأمريكية من أكثر الشركات هروبا من الضرائب إلى دول تفرض ضريبة منخفضة جدا، ولذلك لا غرابة في أن بعض هذه الدول تقف ضد فرض ضريبة الشركات، مثل إيرلندا وإستونيا والمجر، إلى جانب كينيا، ونيجيريا، وسريلانكا، وسانت فنسنت، وغيرها من الدول الصغيرة الأخرى.

اتفاقية ضريبة الشركات متعددة الجنسيات واضحة جدا، بحسب المسؤولين الذين وضعوا القواعد التي سيتم العمل بها في المرحلة القريبة المقبلة، فالحد الأدنى لهذا النوع من الضريبة يقف عند 15 في المائة، وهذا في حد ذاته سيمنع هذه الشركات من "التسوق" للحصول على أقل معدل ضرائب، أي أن معظمها لن يجد جدوى للهروب إلى ملاذات ضريبية منخفضة في المرحلة المقبلة، ما يدعم النظم الضريبية في الدول التي تشترك في ملكيتها.

وبالفعل، يعود التحرك للوصول إلى إقرار ضريبة الشركات إلى ثمانية أعوام خلت، ولا تزال هناك مهلة تنتهي في الشهر العاشر من العام الجاري كي تتقدم الدول التي لم توقع على الاتفاقية، وإلا ستكون هناك سلسلة من العقوبات ستفرض عليها، فضلا عن إمكانية عزلها تجاريا بالفعل إذا اضطر الأمر لمثل هذه الخطوة، فالعناد لم يعد ينفع بعد أن وصلت مراحل اتفاقية الضريبة إلى محطاتها النهائية.

لكن لن تتمرد أي دولة في هذا الأمر، خصوصا في وجود دول محورية اتخذت زمام المبادرة الدولية منذ أكثر من عقد من الزمن وممثلة ضمن "مجموعة العشرين". وتؤكد جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، أنه لا بد من أن توقع حفنة من الدول التي لا تزال ترفض التوقيع على اتفاقية الضريبة، وسيتم مساعدتها على ذلك.

وفي كل الأحوال، لن يكون عمل الشركات متعددة الجنسيات كما كان في السابق، بعد الإقرار والبدء في العمل باتفاقية الضريبة العالمية هذه، ويبدو واضحا أن هذه المؤسسات لن تستطيع الهروب إلى الملاذات منخفضة الضريبة في المستقبل، فهذه الملاذات ستتعرض لأضرار مالية بالغة فيما لو تجاوزت القواعد الضريبية العالمية الجديدة.

دون أن ننسى، أن الحكومات حول العالم، تسعى بأسرع وقت ممكن إلى تحصيل التمويل من الضرائب الجديدة لمشاريع الإنقاذ الاقتصادي، وتلك المرتبطة مباشرة بالنمو، والتنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي