أفعالنا الخاصة
يمكن لبعض الأفكار أن تنتشر بين الشعوب وتترسخ، فتحكم هذه الفكرة عقول الناس فترة ما دون أي محاولة منهم للنظر في مدى مصداقيتها، فيتداولونها ويتعاملون معها كحقيقة واقعية مسلم بها.
ثقافة الشارع العربي هي الأكثر مقاومة لمحاولات تغيير الأفكار الراسخة، ربما بسبب بعض النكسات في التاريخ الحديث - إذا اتفقنا على النكسات كمسمى ومفهوم - ومهما حاول بعض العقلاء تكذيب فكرة ما أو مناقشتها، يندر أن ينجحوا في ذلك، لأن هذه الفكرة انتشرت وسادت ورسخت في العقول.
من هذه الأفكار، أن كل ما تقوم به حكوماتهم أو حكومات جيرانهم هو "ردة فعل" وليس فعلا خاصا، أو فعل مربوط بأطراف أخرى، ربما لضعف فكرة الاستقلالية والاعتداد التي أنهكها الاستعمار بجميع أنواعه، الاحتلال الفعلي، والهيمنة الثقافية.
أقول ذلك وأنا أراقب تعليقات وردود فعل على بعض القرارات السعودية، القرارات التي هي بمنزلة أفعال لا علاقة لها برد الفعل على أحد، سوى رد الفعل على وضع اقتصادي أو اجتماعي نرغب في تحسينه أو نحس أنه قد حان الوقت لتغيير طريقة تعاطينا معه. لن أسوق الأمثلة الكبيرة، وسأبدأ بمثال صغير، هو قرار الحكومة اعتماد قواعد المنشأ الوطنية، الذي صدر قبل أيام وغرضه المعلن، ولا يوجد غرض سواه، هو دعم المحتوى المحلي، وتمكين القطاع الخاص، وإتاحة مزيد من الفرص الاستثمارية في القطاع الصناعي، ليكون محركا للنمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
مثل هذه القرارات لا تستهدف دولة بعينها، أو أحدا بعينه، إنما هي مسألة تنظيمية تستهدف تحقيق أهداف "رؤية 2030"، وهي أهداف معلنة من قبل حول المحتوى المحلي وزيادة الصادرات غير النفطية، وأزعم أنها حتى إن لم تكن معلنة من قبل، فهي تظل قرارات خاصة بنا، أفعالنا الخاصة التي نحقق بها ما نراه من مصلحتنا.
عندما ننجح في إنتاج سلعة ما، مثلما نجحنا في تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي بمحتوى محلي يقارب النصف، فهذا لا يعني أننا نستهدف الدول المنتجة لمثل هذه الأجهزة. إننا نستهدف تحقق أحلامنا، والاعتماد على أنفسنا، والتطوير النوعي للقطاع الصناعي، إضافة إلى الاستفادة من القوة الشرائية الحكومية، وتوجيهها نحو المنتجات والخدمات المحلية، ما يفتح مجالا واسعا أمام القطاع الخاص لتعزيز قدراته.
باختصار، رؤية المملكة 2030 تركز على الصناعة، لأنها إحدى سبل تحقيق أهداف تنويع القاعدة الإنتاجية، بما يعنيه ذلك من فرص عمل نوعية، وفرص تصدير مواتية، والمهم فرص تقليل الاعتماد على النفط، وعلى الآخرين.