«ذا كونجورينج 3» .. قصة شر مستطير أم خرافة أساطير؟
بعد طول انتظار، جاءت رياحه بعكس ما تشتهي سفن جمهوره، ليشكل الجزء الثالث من The conjuring 3، أشهر سلسلة أفلام الرعب، صدمة وخيبة أمل لدى عشاق سينما الرعب، الذين فوجئوا عندما وجدوا أنفسهم أمام فيلم أقرب إلى أفلام الجريمة منه إلى أفلام الرعب، فتحولت السلسلة من الإخافة إلى السخافة، بحسب الانطباع الذي يتكون لدى كل من تابع بشغف أفلام "ذا كونجورينج"، فلماذا هذا التحول؟ هل تغيير المخرج هو السبب؟
بين الخرافة والحقيقة
من منا لا يتذكر لحظات الرعب والخوف عندما يسمع عن الشياطين، واللعنات والشموع والسحرة؟ من منا، ونحن صغار، لم يرتعد ويختبئ تحت السرير عندما نسمع طرقات مجهولة على باب غرفتنا، أو عندما تتلاعب نسمات مجنونة بستارة النافذة؟ إنها ذكريات لا تزال تداعب مخيلتنا وترافقنا مع مرحلة نضجنا، فنتصالح مع تلك الصور الممزوجة بعطر الخرافات والأساطير، ممهورة بمفهوم الشر المطلق.
نكبر وننضج، إلا أن تلك الخرافات تأبى إلا أن ترافقنا وتسير معنا جنبا إلى جنب، كيف لا وكل من حولنا يردد صدى ظواهر وخوارق يعجز العقل عن تفسيرها، فلا ملجأ لنا سوى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. ومن طبيعة الحال، أن يدرك صناع هوليوود أهمية ذلك الموروث الثقافي ويعمدوا إلى تجيير تلك الخرافات والماورائيات إلى مصلحتهم وجعلها تدر عليهم مزيدا من الأرباح والإيرادات، فضجت السينما منذ انطلاقتها بأفلام رعب تجسد الشر وقواه الخفية، ومن أحدثها وأبرزها سلسلة أفلام الرعب الشهيرة The Conjuring، وتحديدا الجزأين الأول والثاني، التي تميزت بطابع مرعب، استطاعت أن تنتزع لها مكانا عند المشاهدين.
نص مستوحى من حادثة واقعية
يتناول الفيلم، المأخوذ عن وقائع حقيقية، قصة أرني جونسون القاتل المتسلسل، الذي اتهم بارتكاب جريمة قتل، لكنه دافع عن نفسه بأن الشيطان استحوذ عليه، وهو من أجبره على فعل ذلك، ومن هنا جاء اسم الفيلم، ويبدأ بالباحثين في علم الشياطين والشعوذة "آد ولورين" وهما شخصيتان حقيقيتان استنجدت بهما عائلة "جلاتزل" عندما انتقلت من بيتها وعلمت أن مشكلة ما قد أصابت ابنها الصغير "ديفيد".
من هنا بدأت رحلة البحث المريعة التي حاول من خلالها هذان الزوجان فهم ما حدث والتنبؤ بما سيحدث للآخرين الذين لحقتهم اللعنة، ونجد من بينهم "آرني شايان جونسون" الذي سجن في جريمة قتل في الولايات المتحدة الأمريكية وأخذت قضيته اسم الفيلم نفسه "الشيطان هو الذي دفعني إلى القيام بذلك"، بعد ادعائه أنه ضحية مس، الذي شاركته هذه القصة عائلة "وارن".
البداية للروايات والأفلام
كانت هذه المحاكمة الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ولغرابة ادعاءات المجرم وانتشار حكايات آل وارن، تتالت تفاصيل القصة على مسامع العالم وطرقت أبواب المؤسسات الإعلامية وأنتجت كتبا وأفلاما من بينها "ذا كونجورينج".
من جهة أخرى، تم تكذيب هذا الثنائي في عديد من الحوارات والمناسبات ولم يصدقهما كثيرون وعاشت حكاياتهما في مخيلة الكتاب الذين حولوها إلى روايات، والمخرجين الذين حولوها إلى أفلام مثل فيلم "أنابيل".
لمشاهدي أفلام الرعب طقوسهم الخاصة
يدرك جيدا هواة أو مهووسو مشاهدة أفلام الرعب، أن لهذه النوعية من الأفلام شروطها الخاصة لكي يكتب لها النجاح ولتتمكن من بث الرعب في نفوس ومخيلة المشاهد، وتجعله حقا يصرخ من الخوف، وقدرتها على استخدام عنصر المفاجأة على أفضل ما يرام. حقيقة أي فيلم رعب يملك بذاته القوة ليخيفنا بشرط التزامنا بشروط طقوس تلك الأفلام التي تبدأ بتخييم الظلام الدامس على المكان ولا تنتهي بضرورة رفع الصوت عاليا والحرص على تأمين أجواء الهدوء والصمت، لذلك تعد صالات السينما أفضل مكان لمشاهدة أفلام الرعب.
الليل والرعب
في زمن سيادة منصات البث الرقمي الترفيهي، وما يرافقها من تطورات في عالم البث عبر الإنترنت، كان لا بد لعشاق أفلام الرعب من ابتكار أساليبهم ووسائلهم الخاصة لتساعدهم على الاستمتاع بأحاسيس الرعب والخوف، ومن تلك السبل المبتكرة عدم مشاهدة أفلامهم إلا بعد منتصف الليل، وأن يكونوا وحدهم في المنزل، انطلاقا من القاعدة الذهبية "لن يخيفنا أي فيلم رعب إذا شاهدناه نهارا وفي أجواء مليئة بالضجيج وبحضور عدد كبير من الأشخاص"، فهل لو تم تطبيق هذه الطقوس على فيلم "ذا كونجورينج 3"، سنستمتع برعب لا حدود له؟
تغيير المخرج
تعود سلسلة أفلام "ذا كونجورينج" إلى فيلم The Conjuring: The Devil Made Me Do It من جديد بكل شخصياته المعروفة في ظل غياب "الدينمو - المحرك" الرئيس لها ألا وهو جيمس وان المخرج الأسترالي، الذي أزاح الستارة عن الجزأين الأول والثاني من السلسلة الشهيرة، الذي يعد عراب سينما الرعب الحديثة، حيث قاد نهضة سينما الرعب في العقد الماضي بأفلام Insidious وThe Conjuring وانتقل بعدها إلى عالم الأبطال الخارقين لمصلحة استوديوهات "وورنر بروس".
المخرج .. عنصر النجاح
حقيقة، إنه لا يدرك كثيرون أن العنصر الأبرز لنجاح أي فيلم، بعد جماهيرية نجومه، هو براعة المخرج وأفكاره الإبداعية، ويبدو أن غياب وان في الجزء الثالث ألقى بظله على جماهيرية هذا الفيلم، حيث إنه رغم الإيرادات الكبيرة التي حققها في دور العرض، إلا أنه ترك انطباعا عاما لدى المشاهدين، ألا وهو أنه دون مستوى التوقعات. ويبدو أن غياب المخرج الأصلي جعل السلسلة تنحدر إلى مستوى إعادة تدوير الأفكار، وسط سيادة غيمة الملل فوق رؤوس المشاهدين، نتيجة أفكار المخرج مايكل تشيفس، مخرج أحد تلك الأفلام الفرعية The Curse of Lalorna، الذي جلس مكان "وان" و"أدى"، دون قصد، وحول الفيلم من التحقيق في قضايا الخوارق وماورائيات الطبيعة، إلى قضية تحقيق في جريمة قتل، توحي بأن منفذها مصاب بهذيان وجنون الارتياب. لكن للإنصاف، بذل المخرج "تشيفس" جهودا كبيرة، وبارز لصنع أجواء مرعبة ضمن أحداث الفيلم، فقد نجح إلى حد ما في التأثير في بعض المشاهدين ولا سيما في منتصف الأحداث، حيث تصبح الأجواء مرعبة فعلا لدرجة كبيرة، لكن في النهاية، يبدو أنه أصيب بلوثة الملل، فأخرج قصة جريمة لقاتل قد يبدو متسلسلا، فجعل الفيلم عبارة عن رحلة مليئة بالتشويق والإثارة، لكن مع ندرة الرعب فيها، ما أفقد فيلمه صفة الرعب.
تجدر الإشارة إلى أن فيلم "ذي كنجورينج" حقق في أسبوعه الأول 24 مليون دولار، وهي نتيجة عدتها "وورنر" إيجابية، خصوصا أن الفيلم متوافر أصلا للمشتركين في منصة "إتش بي أو ماكس" للفيديو حسب الطلب من دون تكلفة إضافية.