Author

الأثر العكسي لتضخم الأراضي على التطوير العقاري

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
من المعلوم أنه كلما تصاعدت أسعار الأراضي كعنصر خامل اقتصاديا شكل ذلك عبئا إضافيا على الجانب المنتج من الاقتصاد الوطني، ومن ضمنه قطاع التطوير العقاري كصناعة بالغة الأهمية تستهدف زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، القطاع الذي يرتبط بأكثر من 120 نشاطا اقتصاديا منتجا في بيئة الأعمال المحلية، والقطاع الذي يحمل مع اتساعه وتناميه مزيدا من النمو وزيادة فرص العمل أمام الباحثين عنها. وبالنسبة لهذا القطاع تحديدا، فإن ارتفاع تكلفة شراء الأراضي التي تشكل العنصر الأهم على الإطلاق بالنسبة إليه، التي يراوح وزنها النسبي ضمن السعر النهائي للوحدة السكنية كمنتج نهائي، بين 68 و77 في المائة من إجمالي قيمة تلك الوحدة وفقا لبيانات السوق العقارية خلال الفترة 2018 - 2021، ما يؤكد بدوره أنه كلما ارتفعت تكلفة شراء الأرض على المطور العقاري اضطر إلى رفع السعر النهائي للوحدات السكنية التي تم إنشاؤها، وقد يصل إلى مستويات سعرية مرتفعة جدا تقل عندها أعداد المقتدرين على الشراء، وترتفع عليه عندئذ المخاطر، التي قد تترجم لاحقا إلى اضطراره للبيع بهوامش ربحية غير كافية، أو البيع بنسب معينة من الخسارة بحال امتدت الفترة الزمنية لعرض المنتجات لأكثر من ثلاثة إلى خمسة أعوام متتالية، وهي الفترة الزمنية الكافية لحدوث كثير من المتغيرات الاقتصادية والمالية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل قد يؤدي إلى تحول عديد من المطورين العقاريين إلى مستثمرين في الأراضي، نظرا للمكاسب الكبيرة الممكن تحقيقها من تملك تلك الأراضي لعدة أعوام، ومن ثم بيعها في نهاية تلك الفترة الزمنية القصيرة وجني أرباح قد تتجاوز 100 في المائة كعائد سهل التحقق، ودون أي تكاليف تشغيلية أو تنظيمية تذكر، وهو الخيار الأكثر ربحية بالنسبة إليهم، مقارنة بضخ مزيد من رؤوس الأموال لأجل تطوير وتشييد تلك الأراضي، ومن ثم البيع بهوامش ربح أدنى، ولا يمكن لها أن تنافس بأي حال من الأحوال الخيار الأول، المتمثل في شراء أراض بمتوسط سعر للمتر المربع قد لا يتجاوز 2000 ريال/المتر المربع، ومن بيعها كأراض بضعف هذا المبلغ بعد أقل من عامين، وهو المنطق السوقي الأقوى الذي لا قبل لأي مطور عقاري بتجاهله، أو السير عكسه،
إننا أمام سوقين لا سوق واحدة، السوق الأولى سوق الأراضي، التي تشتمل على شرائها وبيعها كما هي دون تطوير أو انتفاع أو استخدام. أما السوق الأخرى فتتمثل في السوق العقارية، التي تشتمل على كل المنتجات العقارية المطورة (سكني، تجاري، صناعي، خدمي.. إلخ)، وهي السوق التي تستهدف السياسات والبرامج الاقتصادية تنشيطها، وتسهيل بيئة الأعمال أمامها، وتحفيزها بكل ما تتطلبه لتطورها وتنامي نشاطاتها، وعلى أن السوقين (الأراضي، المنتجات العقارية) ترتبطان بعلاقة وثيقة جدا فيما بينهما، لما تمثله الأراضي كأهم مدخلات/عوامل إنتاج بالنسبة لسوق المنتجات العقارية، بما يعني أنه كلما تضاعفت أسعار الأراضي تضاعفت تكلفتها كمدخلات إنتاج على السوق الأخرى، وتضاءلت فرص الربحية بالنسبة لسوق المنتجات العقارية، وأيضا تضاعفت في الوقت ذاته درجات المخاطرة على المستثمرين في مجال التطوير العقاري "سوق المنتجات العقارية". والعكس صحيح كلما استقرت الأسعار السوقية لمدخلات الإنتاج "الأراضي" عند مستويات عادلة سعريا على المستثمرين في سوق المنتجات العقارية تحسنت شهيتهم الاستثمارية، وتضاعفت استثماراتهم، وتمكنوا أيضا من تحسين ورفع جودة منتجاتهم العقارية، وتنويعها بكفاءة عالية جدا وفق ما تقتضيه احتياجات الطلب المحلي، وتم كل ذلك تحت مستويات سعرية عادلة وأكثر تنافسية وجاذبية.
يجب التأكيد أن تسارع تضخم أسعار الأراضي خلال فترة زمنية قصيرة، عدا أنه يحمل معه كثيرا من التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، سبق الحديث عنها بالتفصيل في المقالات السابقة لهذا المقال، فإنه أيضا يشكل واحدا من أكبر المعوقات أمام صناعة التطوير العقاري محليا، التي تشكل رافدا اقتصاديا بالغ الأهمية للاقتصاد الوطني، وتستهدف أن تكون إحدى الصناعات المحلية الرائدة، وأن تجتذب مئات المليارات من الاستثمارات محليا ومن خارج الحدود، ويؤمل أن ينعكس تنامي هذه الصناعة إيجابيا على النمو وتنويع قاعدة الإنتاج محليا، وزيادة فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات، والمساهمة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي. كل هذا يقتضي بكل تأكيد لأجل تحقيقه على أرض الواقع، والوصول بأقل تكلفة ممكنة إلى مستهدفاته، أن يتم العمل المتكامل على زيادة جاذبية هذه الصناعة، بالتركيز الشديد على معالجة التشوهات الكامنة في سوق الأراضي، وتفعيل كامل الأدوات والسياسات المتوافرة للحد من تضخم أسعارها غير المبرر، وحماية مقدرات الاقتصاد الوطني والمجتمع من آثاره العكسية عموما، وحماية قطاع التطوير العقاري خصوصا من مخاطر انكماشه أو عدم نمو نشاطاته، والتأكيد أن جني تلك المكاسب الاقتصادية المهمة جدا للجميع، ممكن بحمد الله ويتمتع بسهولة الوصول إلى مستهدفاته، بالاعتماد على التفعيل الكامل والشامل لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء في مختلف المدن والمحافظات، الذي سيؤدي بدوره الأكثر فاعلية على تلك الصورة المتكاملة من التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، إلى أكثر من مجرد تحفيز قطاع التطوير العقاري، وتمهيد الطريق أمامه وصولا إلى مستهدفاته ضمن البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، بالتأكيد أن دائرة المكاسب الاقتصادية ذات الجدوى العالية ستشمل جميع النشاطات المنتجة للاقتصاد الوطني، التي ستعزز بدورها بدرجة كبيرة جدا من النمو الاقتصادي المنشود، وتضاعف من قدرة القطاع الخاص على توفير مئات الآلاف من فرص العمل، وكثير من المكاسب الاقتصادية، والعوائد الاستثمارية التي لا تغيب معرفتها عن كثيرين.
إنشرها