مناهضو النفط ..سبقكم بها هوبرت

المتدبر في واقع أسواق النفط بعين الحياد، وما يتم طرحه خلال العقد الأخير خصوصا، والمتابع للزخم الإعلامي المناهض للنفط، سيجد أن هناك مبالغة عجيبة، وجهودا حثيثة لترسيخ فكرة أن نجم النفط آفل لا محالة في المدى القصير. لن أحسن النية هنا وأقول، إن هذا التوجه يهدف إلى حماية البيئة والمحافظة على كوكب الأرض فقط، وقد أفردت مقالا سابقا بعنوان: "بين الفحم والنفط .. أين توارت المهنية؟" وكيف تم وضع النفط في قفص الاتهام، وأن من يحاكمونه غضوا الطرف، وما زال يغضونه عن الفحم وهو الأعلى تلوثا وضررا على البيئة، في اعتقادي أن معرفة مناطق تركيز إنتاج الفحم عالميا تجيب على السؤال السابق، حيث يتركز إنتاج الفحم في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وأستراليا والصين والهند بدرجات متفاوتة، ولا يمكن تجاهل أن الفحم خلال العقد الماضي حل ثانيا بعد النفط في استهلاك الطاقة عالميا.
لنقلب صفحات التاريخ بالعودة إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وما طرح حول قرب انتهاء عصر النفط من خلال نظرية ذروة الإنتاج، وهل صمدت هذه النظرية أم أفلت وبقي الذهب الأسود؟ ماريون كينج هوبرت الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا من أوائل من قال بفكرة ذروة الإنتاج التي تسمى نظرية قمة هوبرت.
وضع هوبرت نموذجا واستنتج أن إنتاج النفط من أي حقل يمر بمنحنى يشبه الجرس، بمعنى أن معدل إنتاج النفط يزداد بشكل تدريجي مع اكتشاف مكامن جديدة حتى يصل إلى الذروة، فيبدأ بعدها معدل إنتاج النفط في الهبوط، ثم يصل إلى الجفاف ونهاية عمر الحقل. توسع هوبرت في هذه النظرية لتشمل جميع حقول النفط الموجودة في المنطقة، وامتدت نظريته لتربط هذا المنحنى بمنحنى آخر يخص اكتشاف النفط، فلاحظ أنها هي الأخرى تتبع النمط نفسه من التصاعد في معدل اكتشاف مكامن نفطية جديدة، إلى أن تصل هذه الاكتشافات إلى ذروتها قبل أن تبدأ في التباطؤ وانخفاض معدل الاكتشافات الجديدة.
النتائج التي توصل إليها هوبرت حول دراسة نمط كل حقل على حدة أدت إلى توسعه في تطبيقها لتشمل الولايات المتحدة بجميع حقولها، وقد استشرف هوبرت عام 1956 أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيبلغ ذروته عام 1965، وكحد أقصى عام 1970.
بالعودة للأرقام التاريخية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، نجد أن معدل إنتاج النفط بدأ بالهبوط بعد عام 1970، وبلغ الإنتاج في 2009 نحو خمسة ملايين برميل يوميا، أي: إنه انخفض 44.4 في المائة بين عامي 1987 و2009. العقد الأخير كان عقدا استثنائيا في صناعة النفط الأمريكية، حيث ارتفع إنتاجه بصورة متسارعة جدا من خمسة ملايين برميل يوميا إلى نحو 12.23 مليون برميل يوميا، أي: بزيادة 144.6 في المائة في عشرة أعوام، وهذا يناقض نظرية هوبرت الذي أغفل في رأيي الجانب التقني وتطوره ما أثر في مخرجات استشرافه لمستقبل الإنتاج في الولايات المتحدة.
محاولة تقويض صناعة المنبع بمباركة وكالة الطاقة الدولية، في اعتقادي أنه خطأ استراتيجي واستشراف غير موضوعي ألبتة لمستقبل النفط، سيصطدم قريبا جدا بنمو الطلب العالمي على الطاقة، فهل العالم سيتعايش مع أسعار فلكية للنفط في ظل شح المعروض؟.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي