خبرات تراكمية .. المكانة والتأثير 

 
تتمتع السعودية بحضور دولي ومكانة اقتصادية مرموقة وبارزة في المنظمات الدولية، ولها دور مؤثر في الاقتصاد العالمي، وحققت كثيرا من المراكز المتقدمة في التصنيفات المعتمدة من الجهات المهتمة بالتقييمات الاقتصادية والمالية، ولديها شهادات وسجلات ناصعة، ويأتي تحقيق هذه الإنجازات بناء على نجاح السياسة والثوابت الاستراتيجية التي تنتهجها القيادة السعودية في توجيه سياسة المملكة الاقتصادية ودعم مؤشراتها المختلفة في الجانب الاقتصادي وقطاع الأعمال السعودي، وهذا الوضع كان له أبلغ الأثر في جعل المملكة دولة فاعلة في رسم سياسة الاقتصاد العالمي، وقبلة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم، ومحركا نشطا في المنظمات الدولية المختصة.

ومن هذه الخلفية الإيجابية جاء انتخاب السعودية عضوا أصيلا في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، ويأتي عمليا في سياق الحراك الدولي المستمر والمتطور للمملكة على مختلف الأصعدة، كما أنه يدخل ضمن أهمية الدور الذي تقوم به عالميا، سواء عبر مشاركتها في منظمات دولية في ميادين مختلفة، وفي مقدمتها عضويتها الأصيلة في "مجموعة العشرين"، التي أخذت زمام المبادرة الدولية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

وهذا التحرك العالمي، عبر المنظمات والكيانات الدولية المختلفة، يستند - في الواقع - إلى محورية مساهمة المملكة في صنع القرار الدولي، في الوقت الذي أوجدت فيه رؤية المملكة 2030 كثيرا من المسارات أمام البلاد لتعزيز دورها ومكانتها في مختلف الساحات، وطرحت فيها الأدوات اللازمة لتحقيق كل الأهداف المرجوة من هذا المشروع أو ذاك، ومن هذا النشاط أو ذاك.

حقيقة، إن وصول المملكة إلى مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، يمثل في حد ذاته إنجازا جديدا على الصعيد العالمي، ويفسح المجال أمام المشرعين السعوديين للمساهمة مع زملائهم ضمن المجلس في وضع المعايير التي تخص العمال حول العالم أو تجديدها أو تطويرها، خصوصا أن انتخاب المملكة في هذا المجلس يأتي أيضا في ظل تبدلات هائلة على صعيد المنظمة العمالية دوليا، من جراء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا المستجد. إن هذه التداعيات لا تزال ماثلة على الساحة، وتتطلب مزيدا من الحراك التسريعي والتنظيمي العمالي، وفق المعطيات التي تتركها وستتركها هذه الأزمة.

فالمشاريع السعودية في هذا المجال عديدة، فضلا عن أن تبادل الخبرات في هذا المجال لا يؤمن استراتيجية متطورة بخصوص العمل والعمال فحسب، بل يدعم أيضا الحراك السعودي المحلي في هذا المجال، الذي ينسجم مع مشاريع رؤية المملكة 2030. إن عضوية المملكة في منظمة العمل، تؤكد مجددا دور البلاد الفاعل خلال ترشحها لمقعد عضو أصيل لثلاث فترات في 1982 و1985 و1998.

فالتوجه السعودي في هذا المجال ليس جديدا، بل يستند إلى تجربة ونشاط سابقين. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن انتخاب المملكة في هذا الموقع العالمي المهم والبارز، ينسجم في الواقع مع خبرة السعودية في تعاملها مع القضايا العمالية الدولية، إلى جانب الآثار التي يتركها دعم القيادة المستمر في البلاد لكل الجهود الرامية إلى مساندة سوق العمل والعمال في السعودية.

ففي العام الماضي، "أو عام الجائحة"، أظهرت المملكة للعالم نوعية عالية الجودة دوليا في مواجهة التحديات المتعلقة بتأثيرات جائحة كورونا في هذه السوق، كما أظهرت فترة رئاسة السعودية لـ"مجموعة العشرين" في دورتها السابقة، نشاطا مكثفا للدول الأعضاء من أجل معالجة الجانب الخاص بالعمل والعمال في ظل الأزمة الاقتصادية. وطرحت الرياض بالفعل مجموعة من المشاريع التي تبنتها "العشرين"، وخففت من الضغوط في هذا الميدان الاقتصادي والاجتماعي.

وخلال الأعوام الثلاثة المقبلة لعضوية السعودية في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، ستكون هناك عشرات المشاريع، ليس فقط لتطوير عمل هذه المنظمة، بل لحل المشكلات التي أصابت العمل والعمال بفعل كورونا، والآثار التي تركتها الجائحة في الساحة الاجتماعية.

وبالفعل، ستكون هذه المشاريع جزءا أصيلا من قوانين المنظمة ومعاييرها في العقود المقبلة، والسعودية ستكون حاضرة "كما كانت سابقا" في مساهماتها في هذا المجال، تستند إلى خبرات تراكمية محلية وإقليمية ودولية، دون أن ننسى، حق التصويت الذي تتمتع به ضمن مجلس إدارة منظمة العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي