Author

تحديات التطور الاقتصادي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
تحسين مستوى معيشة أفراد المجتمعات، وتقليل العطالة، ورفع الدخول، لا تتأتى إلا بتطور وازدهار الاقتصادات. ذلك أن نمو الاقتصاد نموا مستمرا راسخا متطورا ينعكس على الأفراد، فالأعمال تتسع والأرزاق تتسع والفرص الوظيفية تزداد. هذه الأمور معروفة للجميع، المختص وغير المختص، المثقف وغير المثقف.
محليا، قيض الله للبلاد رؤية تبنت سياسات عديدة للإصلاح الاقتصادي، أذكر منها: العمل على تخفيض عجز الميزانية العامة، وتقليل الاعتماد على دخل النفط، وطرح برامج خصخصة وتطوير القطاع المالي والأسواق المالية، وتأهيل وتوطين اليد العاملة، وتحسين بيئة الاستثمار، وإصلاحات أخرى متنوعة من تشريعية وغير تشريعية تناولت وتتناول كل قطاعات الاقتصاد أو قطاعات بعينها.
تطور اقتصاد غير متطور لا يأتي هكذا مصادفة. بل له أدوات وسياسات ذات طبيعة إصلاحية. بعض السياسات عام يصلح لكل اقتصاد، وبعضها له ارتباط بطبيعة دولة واقتصاد بعينه.
ذلك أن ازدهار أي اقتصاد هو محصلة عوامل كثيرة ونتيجة لها. فمثلا الاستثمارات تعمل على نمو الاقتصاد. وقلة الاستثمارات أو عرقلتها تعمل على تثبيط الاقتصاد، فإضعاف نموه وهكذا. وهذا يعني فيما يعني أن مستوى النجاح له - بعد توفيق الله - أسباب وعوامل قوة، كما أن هناك عوامل تعمل على إضعافه.
ما سبق يعني أن الإصلاح له متطلبات من سياسات ومبادرات. وتطبيق السياسات أمامه تحديات وعقبات. ولا بد من العمل على معالجة هذه التحديات لزيادة فرص تحقيق النجاح.
جودة استغلال الموارد لا تحدث هكذا من تلقاء نفسها، بل لها بعد توفيق الله شروط وعوامل. ولا بد من تقليل قوي للمعوقات. وهذا يشبه ما عبر عنه علماء الشريعة وأصول الفقه خاصة بتحقق الأسباب والشروط وانتفاء الموانع. أي إن تحقق الشروط لا يكفي إذا لم يتحقق انتفاء الموانع.
أحد التحديات المؤثرة في جودة استغلال الموارد واستثمارها سلبا وإيجابا طبيعة العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية.
على سبيل المثال، تعمل الاستثمارات على نمو الاقتصاد. ماذا يعني ذلك بالنسبة للتقاليد؟ هناك عوامل اجتماعية وتقاليد مؤدية إما إلى تحسين أو إلى الإضرار بجودة الاستثمارات، ومن ثم تقود إلى نمو أو تضرر الاقتصاد. وهذا من حيث الأصل والمبدأ.
مع الأسف، لدينا عادات تدل في مواضع كثيرة على ضعف الاهتمام بالوقت رغم محدوديته. لنأخذ - على سبيل المثال - استعمال الوقت. الوقت يعد أحد الموارد، فحسن استغلال الموارد يرفع ويزيد من النمو الاقتصادي، من يد عاملة ورأسمال بشري ومادي، ووقت، وحسن استغلال كل عنصر من هذه العناصر مطلوب. تعود المجتمع على حسن استعمال الوقت، كالانضباط في مواعيد بداية ونهاية المناسبات، وفي الدوام، هذا التعود مطلب.
طريقة إدارة وتنظيم وقت المناسبات الاجتماعية تدل على ضعف في إدارة الوقت. مثلا، تعودنا في بطاقات الدعوة لحضور حفلات الزواج على كتابة الدعوة دون تدقيق أو تقريب على الأقل لساعة تقديم الطعام مثلا. قد يصلح ذلك لمجتمع بسيط، لكنه لا يصلح أسلوب حياة لمجتمع عصري، يسعى جاهدا لبناء اقتصاد أقوى وأكثر تطورا. ومثال آخر، انتشار ضعف الالتزام بالمواعيد. وأذكر بالمناسبة أنه قبيل سفر المبتعثين من جيلي للدراسة في الغرب كأمريكا، أننا كنا ننبهر بما يقال عن قوة الالتزام بالمواعيد، فهي طبيعة المجتمع هناك.
من الأمثلة أو العلامات في العادات مدح الاتكالية وتقليل أهمية الحافز لكسب المال. ورفع قيمة خصال أخرى. وكلها عوامل داخلية.
والاتكالية تعني تفشي الشكوى من العمل والجد. وهناك مظاهر على هذا التفشي وأتركها للقارئ الكريم.
مثال آخر: فوضى قيادة السيارات في بلادنا.
مثال آخر نزعة التبرير وضعف النقد الذاتي. على سبيل المثال، يلاحظ انخفاض نزعة الطالب الياباني ومثله الصيني في لوم الآخرين على إخفاقاته في الدراسة. في المقابل، لوحظ أن الفرد العربي لديه نزعة قوية للتبرير، وتحميل الآخرين مسؤولية ما يعانيه من مشكلات. وفي المقابل، لديه ميل إلى تنزيه النفس.
باختصار، تتطلب التنمية الاقتصادية قيما وعادات تنسجم أو على الأقل لا تعاكس متطلبات تحقيق التنمية.
السؤال التالي: كيف نحقق ذلك؟ موضوع طويل، لكني أذكر نقاطا.
أولا، واجب الفرد أن يتعود ويعود من تحت رعايته ألا يستسلم إلى تقاليد وعادات يرى داخل نفسه أنها تضعف قيمة الاجتهاد والعمل وحسن استغلال الموارد. وفي هذا عليه ألا يتعود على التبرير وتركيز رمي العيب على الآخرين. لا يقبل الله - سبحانه - في الاخرة الاحتجاج القائم على تبرير النفس. يقول سبحانه "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم" الآية.
ثانيا، التعليم. وهو موضوع طويل. وقد أولته الرؤية اهتماما خاصا.
ثالثا، استغلال المشاريع الكبرى التي تخطط الدولة لتنفيذها، استغلالها بشكل يسهم في تغيير سلوكيات غير حضارية.
رابعا، إعطاء اهتمام قوي بأمور البحث والتطوير والابتكار بما يسهم في التقدم العلمي فالاقتصادي وزيادة إنتاجية الأفراد والمنشآت. ونطمح أن تسهم هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، التي وافق مجلس الوزراء السعودي على إنشائها، في جلسته الأسبوع الماضي، نطمح أن تسهم بقوة في تحقيق الطموحات.
إنشرها