الأغذية ومقتضيات معايير السلامة
يأتي اعتراف شركة نستله أكبر شركة للأغذية في العالم، بأن أكثر من 60 في المائة من منتجاتها الغذائية والمشروبات السائدة، لا تتوافق مع التعريف المتداول للصحة، مفاجئا حقا وغير مسبوق، فهذه الشركة التي تطرح في الأسواق العالمية أكثر من ألفي منتج، أكدت حقيقة أن نسبة كبيرة من الأطعمة والمشروبات ولا سيما المحفوظة غير صحية، على الرغم من كل التحديثات التي تفرضها مؤسسات الأغذية بشكل عام على منتجاتها هذه. واعتراف "نستله" يعزز مسار التوجهات الحكومية حول العالم، وأيضا حراك المجتمع المدني عالميا، للوصول إلى أفضل وضعية غذائية ممكنة، ولا سيما مع تردي المستوى الغذائي الصحي، ليس فقط عبر توسع دائرة أغذية "الجانك" أو السريعة، بل من خلال تحسين الإنتاج الغذائي المحفوظ بشكل عام.
علما بأن هذه الشركة السويسرية، أكدت أن منتجات الغذاء والمشروبات الخاصة بالأطفال تحتفظ بالفعل بمستوى صحي عال. اللافت أن 70 في المائة من منتجات "نستله" باعترافها طبعا فشلت في تحقيق الحد الصحي الذي يقف عند عتبة 3.5 نجمة من خمس نجمات، كما أن منتجات المياه والألبان تصدرت أعلى مستوى على المؤشر الصحي لمجمل منتجات الشركة، التي توظف عالميا أكثر من 291 ألف شخص، وتصل قيمتها الحقيقية إلى نحو 100 مليار دولار. وإذا كان المستوى الصحي لمنتجات شركة عملاقة كـ"نستله" عند هذا الحد المتدني، فكيف الحال بمؤسسات مشابهة أخرى أقل حجما وربما لا تخضع للمعايير الصحية الحكومية المشددة؟ الشركة السويسرية تبيع منتجاتها حول العالم بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي بالطبع، وهذا الأخير يتصدر بالفعل بقية دول العالم من حيث التشدد في الرقابة الغذائية والصحية، فالمعايير التي يعتمد عليها أكبر من تلك المعمول بها في بلد كالولايات المتحدة مثلا.
ومع ذلك تخرج "نستله" لتعترف بالمستوى الصحي المنخفض لمنتجاتها الغذائية، ولأن الأمر بهذا الشكل، فلا بد أن تتحرك منظمات المجتمع المدني في الدول المتقدمة بالتعاون مع المؤسسات الحكومية المختصة، لتحقيق مزيد من التقدم السريع في الحراك الخاص بضمان أعلى مستوى صحي للمنتجات الغذائية المحلية وتلك المستوردة. واللافت حقا، أن الشركة السويسرية وصلت إلى هذه النتيجة الصادمة، في ظل تحسينات متتالية أدخلتها على منتجاتها، ما يعني أن هناك حلقة مفقودة لا بد للمختصين من العثور عليها، فالتكاليف المالية التي تتكبدها الحكومات حول العالم من الأمراض الناجمة عن الأغذية غير الصحية تتعاظم، وتنفق الدول نسبة كبيرة من ميزانياتها المخصصة للصحة على علاج الحالات المرضية الناجمة عن تناول الأغذية غير الصحية، بما في ذلك السكريات والدهون وبعض المشروبات الغازية وغير ذلك. تعمل "نستله" بالفعل على التحديث والتحصين في منتجاتها، فما كان مناسبا قبل عقود، لم يعد كذلك في هذا الزمن، ويرفض الرئيس التنفيذي للشركة مارك شنايدر، ما اعتبره البعض أن الأطعمة المصنعة عند شركته والشركات المشابهة متعددة الجنسيات، تميل إلى أن تكون غير صحية.
والأطعمة المصنعة بشكل عام ليست أفضل من الأطعمة الطبيعية، ولذلك فإن الأمر يتطلب مزيدا من الدقة والرقابة والابتكارات لجعل "المصنعة" أكثر صحية، خصوصا أنها باتت ضرورية من حيث سهولة وصولها إلى المستهلكين. العمل المطلوب في المرحلة المقبلة هو أن ترفع مستويات كل الأطعمة المصنعة إلى الحد الصحي الذي تطالب به كل المنظمات المختصة حول العالم، فتوفير أطعمة بهذا المستوى، لا يحمي صحة المستهلكين فقط، بل يوفر على خزائن الدول كثيرا من الأموال، التي يمكن تحويلها في مجالات علاجية أخرى.