Author

تمويل الفرد وربيع العمر

|
يضطر معظم الناس للتعامل مع الجهات التمويلية للحصول على دعم تمويلي لمعالجة احتياجاتهم المالية. وعندما نتحدث عن التمويل الذي يستمر سداده لعدد من الأعوام، فنحن نتحدث عن التزام مالي طويل الأجل يؤثر في قدرة الفرد المالية ومسيرته الاقتصادية، وقد يحسن وقد لا يحسن من أسلوب معيشته. قد يكون التمويل تمويلا شخصيا أو عقاريا أو حتى استخداما خاطئا للبطاقات الائتمانية بشكل مزمن ومتراكم، فهناك من يستخدم جميع أشكال التمويل في الوقت نفسه! وللتعامل مع هذه الالتزامات وضغوطاتها يتجه الكثير نحو إعادة ترتيب التعاقدات التمويلية اختياريا أو اضطراريا، سواء كان عن طريق شراء المديونيات أو إعادة الجدولة، أو أي من الممارسات الأخرى، مثل القروض التكميلية وما يسمى التجسير، وغير ذلك.
عملية إعادة ترتيب التمويل هي في الأساس عملية إيجابية وينصح بها إن كانت ملائمة، لكن شرط نجاحها التقييم الجيد للخيارات المتاحة والربط الجيد بالأهداف. قد تكون عملية إعادة ترتيب التمويل نظامية وقد لا تكون كذلك، فهناك من الجهات التمويلية من يتجاوز بالاتفاق أو بالتدليس الشروط النظامية لتوفير خدمة التمويل أو إعادة ترتيبه. وقد تكون عملية إعادة ترتيب التمويل مع جهة مرخصة وقد تكون مع جهة غير مرخصة، وهذه فيها مخاطرة كبيرة للمستفيد ومخالفة نظامية من المانح للتمويل أو من يقوم بترتيبه. وإذا نظرنا من ناحية الهدف، قد تحصل عملية إعادة ترتيب التمويل لتحقيق هدف جيد وإيجابي، مثل تخفيف الأقساط أو تقديم أجلها، وقد تحصل لتحقيق هدف غير إيجابي، مثل الحصول على مبلغ من المال لغرض غير ضروري، كالسفر أو الاستثمار غير المدروس. أسوأ سيناريو حين تكون النتيجة زيادة العبء المالي بالتعامل مع طرف غير مرخص نظاميا لغرض دون فائدة حقيقية للمستفيد. مع الأسف، يحدث هذا السيناريو السيء لكثير من الناس.
إذا افترضنا أن الفرد أحسن من تقييم وضعه وتقييم ما يتاح له من خيارات وابتعد عن كل مشبوه وغير ملائم، فإن هناك من يسيء تقدير العبء الزمني لهذا النوع من الالتزامات. فيدخل في التزام طويل الأجل خالطا - على سبيل المثال - التمويل الشخصي بالعقاري، وإذا اكتشف ثقل ما أقدم عليه قام بعد عدد من الأعوام سعيا خلف تخفيف الأثر وحاول ترتيب ديونه وأطال في أمدها أكثر. التعامل مع عامل الزمن مهم جدا، والحاجة الملحة اليوم قد لا تكون ملحة بعد بضعة أعوام، فكيف بعد عشرة أو 20 عاما. لهذا، كلما زاد أمد الالتزام التمويلي، أصبحت الحاجة إلى التخطيط الدقيق والدراسة والاستشارة، أهم وأكثر إلحاحا. مع الأسف، يسد بعضنا فراغ المعرفة والاستشارة برأي بائع التمويل، والبائع هو شخص متحيز في نطاقه، أهدافه النجاح في تقديم خدمته أو - بكل بساطة - بيع التمويل لأكثر عدد من الناس، وربما لأطول عدد من الأعوام، ولا نلومه في ذلك.
اللحظة التي يتم فيها توقيع اتفاقية التمويل هي اللحظة نفسها التي تقل فيها الخيارات، عندها يتجمد جزء من الراتب، يضطر الشخص للمحافظة على التزامه ونسقه الوظيفي فترة طويلة قد يتمنى لو امتلك حرية تبديلها أو إيقافها لاحقا، وتضعف في هذه اللحظة نفسها القدرة الادخارية والاستثمارية للفرد، ولهذه الأسباب خير القروض ما كان يغطي منفعة استثمارية أو طويلة الأجل، مثل تملك المسكن المناسب. إلى جانب العنصر الزمني، يغيب عمن يحاول إعادة ترتيب التزاماته التمويلية مسألة تحسين الدخل، سواء عن طريق تحسين الإمكانات المهنية والتحسن الوظيفي أو العمل الإضافي أو المشاريع. فسحة الدخل الإضافي هي خير من يخفف أثر التمويل ويزيد من خيارات ترتيبه، إذ ترفع من فرص السداد المبكر والخلاص النهائي منه.
لهذا، وحتى لا يصبح خيار الهرب من التمويل الحالي وقوعا في مصيدة تمويل جديد، نرى أن المصدر الأول لتحسين الواقع هو الفرد نفسه، بمراجعة الأهداف المالية، وتحسين الدخل، ودراسة جيدة للخيارات المتاحة، وتقييم ملائم للعامل الزمني. قد يمتد تقييم العامل الزمني إلى وضع تصورات لاحتياجات الفرد ماليا لكل عشرة أعوام مقبلة حتى نهاية العمر، وهذا من الحصافة التي تعود بالفائدة للشخص وليس تطرفا في التخطيط. القيام بذلك هو مربط الاستفادة من الخيارات التمويلية المتاحة والمحافظة على نسق مالي ملائم خلال فترات العمر المختلفة وأفضل طريقة لتجنب الوقوع في المطبات والتحديات التي تحيط بها المغريات من كل جانب.
إنشرها