نظرات مستمع
أستمع أحيانا إلى نقاشات بعض الشباب المتخرجين أو على وشك التخرج، وهي غالبا حول بدء الحياة العملية - إن تيسرت - وحول طموحات "ضربات الحظ"، مثل الاستثمار السريع في عملة رقمية، أو تطبيق جديد بمبالغ زهيدة تقودهم إلى الثروة سريعا.
غالبا لا أتدخل في النقاش، لأني انتبهت إلى أن فكرة رجل في بداية الخمسينات عن العمل والرزق و"الفرص" والصبر، تختلف عن تلك التي في ذهن شاب في بداية العشرينات، هناك ثلاثة عقود حدث فيها الكثير مما فاتهم، وفاتني.
لاحظت اختلاف النظرة بين جيلين إلى العمل كقيمة اجتماعية، وطلب للرزق، والصبر، وربما يعود هذا إلى اختلاف الأهداف، فجيلنا كان يهمه إكمال أجندة والديه، أحدهما أو كلاهما، بالدراسة فالعمل فالزواج والإنجاب، والانخراط في الدائرة المعروفة.
اليوم، هناك - مثلا - شباب في منتصف العشرينات لا يفكرون إطلاقا في الزواج، وهذا ما أعده نسبيا مؤشر حسن لتغيير ثقافة الزواج من ناحية الموازنة بين الحاجة إليه، الحاجة البيولوجية الطبيعية، وبين كونه مؤسسة شراكة وبناء، ولعله أيضا مؤشر على ازدياد وعي الأمهات والآباء بأن رسالتهم ليس "التزويج" بقدر ما هي المزاوجة بين شريكي حياة، المزاوجة العقلية والقلبية.
المشكلة الصغيرة، من وجهة نظري، هي غياب أو تشوه مفهوم الرزق وما يعنيه روحيا كجزء من علاقة الإنسان بدينه، وما يعنيه اجتماعيا كجزء من منظومة التكامل بين الناس، والأهم كجزء من فهم فكرة التفاوت التي وردت في القرآن وصدقتها السنن الحياتية على مر التاريخ، فالحياة لا يمكن أن تستقيم إلا بهذا التفاوت، وبتنوع الأدوار المطلوبة لعمارة الأرض.
الفكرة التي تتمدد في ذهن كثير من الشباب، أن المسألة فقط هي تفاوت الحظ. ربما يكونون على حق إلى حد ما، خاصة عندما يرون بعض الظواهر، أو يسمعون عن بعض المحاباة هنا أو هناك، أو "يفغرون" أفواههم لما حدث من انفجار في شهرة أو ثروة شاب ما نتيجة "ضربة حظ".
جميل أن يفكروا في الثروات أو الفورات والتقنية وأفكار "الحظ"، لكن ليس جميلا أن تكون هي المسيطرة على ذهنهم، أو أن تكون الأساس لمنهجهم في الحياة، وعلينا نحن أباءهم وأمهاتهم ومعلميهم ومعلماتهم أن نوازن بين طبيعة عصرهم، وبين طبيعة البشر والحياة، خاصة فيما يتعلق بالرزق، وطلبه، والصبر، والتفاوت.
لا نريد نسخا منا - وإن تمنينا ذلك في العقل الباطن، ولكننا أيضا لا نريد نسخا "افتراضية" لا تستطيع مواجهة أو معايشة الواقع.