Author

ذوبان «هوية» المستهلك

|
خطر لي سؤال صغير، هل تشكل عولمة الاستهلاك خطرا أو تهديدا على الهويات؟ وسبب هذا "الخاطر" هو تأمل بسيط في حالات الشراء المعولمة، وأقصد بها تلك التي تتم عبر أربعة أو خمسة لاعبين كبار في سوق "البيع عن بعد" عبر المواقع، أو الاسمين أو الثلاثة التي تتفرع منها محليا ولا تعدو كونها فروعا أو انبثاقا من تلك الشركات العملاقة أو على أقل تقدير النسخ واللصق منها.
شيئا فشيئا تندثر الأنماط الخاصة بكل مجتمع فيما يتعلق بالاستهلاك من جراء تشابه الطلب وخضوع عقلية المستهلك لتنميط موحد وربما ذائقة يشترك فيها المستهلكون في العالم، ومخاوف الكثيرين ألا يكونوا متابعين أو مسايرين للسائد أو الحديث.
ربما أنا وأنت إن كنت من جيلي لا نزال قادرين على الاحتفاظ بخصوصية ما نستهلك، طعامنا ولباسنا ومقتنياتنا الشخصية، اعتدادا بخبرتنا، وثقة بذائقتنا، وربما عدم اكتراث بالمسايرة، لكن انظر إلى الأجيال الجديدة كيف يشترون وماذا يستهلكون، إنهم يتجهون شيئا فشيئا إلى النمط أو الاتجاه أو سمه الصرعة نفسها في نيويورك وفيينا وأستراليا والقاهرة وشنغهاي.
قد يبدو الأمر وكأنه لا يتجاوز المستوى الاقتصادي الاستهلاكي، لكني أحس أنه في الحقيقة تذويب تدريجي للذائقة الخاصة بكل مجتمع، والذائقة جزء من الهوية التي يتمايز بها أي مجتمع عن الأغيار.
الأمثلة كثيرة، بدءا من شطائر الطعام وليس انتهاء بالأحذية أو القمصان القطنية، ويمكنك عمل مسح بصري ذهني في الشارع ومقارنته بمثله في العمل ومن ثم التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي، ليس هذا فحسب، بل إن نموذج التزين للرجال والنساء يتقارب بشكل لا تخطئه العين، وهذا الأخير له تأثيرات نفسية أعمق تحتاج إلى مبحث خاص.
النقطة التي قد تكون مثار أسئلة، أو نقاشا مفتوحا، أن هذه المستويات من التشابه تتركز في الطبقات الوسطى، حيث من الملاحظ أن الفئات الفقيرة أو الأقل حظا أو تلك الفاحشة الثراء، تحتفظ إلى حد ما بسلوكياتها الاقتصادية والاستهلاكية، الفئة الأولى لعدم قدرتها على مسايرة كل المتطلبات المعولمة لضيق ذات اليد وقصور الدخل عن الكماليات إذا لم يكن عن الأساسيات، والأخرى لأنها تبحث عما يجعلها لا تنتمي للجموع في كل شيء، بما في ذلك ما تلبس وتركب وتأكل.
ويبقى السؤال، هل الملاحظة دقيقة أو صحيحة؟ وإذا كانت كذلك فماذا يعني هذا بالنسبة إلى التأثير في هوية الأغلبية، وهويات الفئتين الخارجتين عن هذا النمط، الفقراء، والأغنياء جدا؟
إنشرها