أثناء مشاهدة المسلسلات التلفزيونية خلال أمسيات الوباء التي لا نهاية لها، شعرت بالدهشة من موضوع متكرر: انتقال العائلات إلى الأدنى. في أحد المسلسلات الأمريكية يثير سجن رب العائلة المحتال استياء أبنائه البالغين، الذين كانوا قد توقعوا الاعتماد على شركة العائلة كمصدر دخل إلى الأبد. تتذمر ابنته قائلة، "رائع، إذن الآن ليس لدينا سيارة أو طائرة نفاثة؟ لماذا لا نكتفي بنشر إعلان في مجلة أنا فقير؟".
في مسلسل Schitt’s Creek، تذهب عائلة مدمرة أخرى للعيش في آخر ما لديها من أصول: بلدة صغيرة في قرية معزولة تحمل اسمها كانت قد اشتروها على سبيل المزاح. في Years & Years، أفراد عائلة بريطانية أصبحت فقيرة ينتقلون إلى العيش مع الجدة في منزلها المتهالك المتداعي. في مسلسل Girls من إخراج لينا دانهام، والدة الشخصية الرئيسة التي في العشرينات من العمر قالت لها إنها لن تساعدها بعد الآن. ترد مرعوبة: "جميع أصدقائي يتلقون المساعدة من آبائهم وأمهاتهم".
من الواضح أن موضوع الأجيال الأصغر التي تعيش بشكل غير مستقر من ثروة العائلة له جاذبية خاصة لدى كتاب التلفزيون، الذين هم أشخاص متعلمون يعملون في مهنة محفوفة بالمخاطر. لكنه أيضا موضوع الطبقة الوسطى في عصرنا، وسط الانهيار الاقتصادي الثاني خلال 13 عاما.
عندما تتفوق أسعار الأصول على الأجور في الاقتصادات المتقدمة، تكون النتيجة "مجتمع الميراث". يشير الاقتصادي توماس بيكيتي في كتابه "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" إلى أن ما نشهده هو عودة إلى القاعدة التاريخية: في معظم العصور، الجزء الأكبر من الثروة يأتي من الميراث، وليس العمل. يقول بيكيتي إن الاستثناء كان حقبة ما بعد الحرب: بمجرد أن أدى الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية إلى تدمير جزء كبير من ثروة العائلة، لم يبق سوى القليل لتوريثه.
لكن الآن يوجد مال كثير للتوريث. في بريطانيا نسبة ثروة الإسكان إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى مما كانت عليه في اليابان قبل انهيارها في 1991. قال معهد الدراسات المالية في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي "في المتوسط، سيساوي الميراث 9 في المائة من دخل الأسرة (غير الموروث) في حياتها للذين ولدوا في الستينيات، ويرتفع إلى 16 في المائة للمولودين في الثمانينيات". بحلول 2030 سيرث جيل الألفية في الولايات المتحدة أكثر من 68 تريليون دولار من آبائهم من جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية، وفقا لتقديرات الشركة الاستشارية ويلث إينجين WealthEngine. هذا بالتأكيد أكبر انتقال جماعي للثروة في التاريخ.
لا عجب في أن كثيرا من الأعمال الدرامية الأكثر إقناعا اليوم تدور حول الميراث: قصة عائلة ترمب، وقصة هاري وميجان، والمسلسل التلفزيوني الخلافة (المبني بشكل فضفاض على عائلة ميردوك) أو كتاب باتريك رادين كييف الجديد، حول عائلة ساكلر، التي كسبت المليارات من مسكن الآلام القاتل أوكسي كونتين.
هذه عودة إلى مواضيع القصص التي كانت سائدة في القرن الـ19، حقبة أخرى كانت فيها الأصول تتفوق على الأجور: بلزاك وجين أوستن قاما أيضا بتصوير الميراث بشكل درامي، كما يشير بيكيتي. الفرق هو أنه في الوقت الحاضر يوجد عدد أقل من الورثة الكبار وعدد أكبر بكثير من الورثة الصغار. بالنسبة لشرائح كبيرة من الطبقة الوسطى، الميراث أحال الراتب إلى شيء أدنى وكأنه خاطرة ثانوية.
هذا ينطبق بشكل خاص على الشباب. توصل كثير من جيل الألفية إلى الاكتشاف الرهيب بأن درجة البكالوريوس هي شهادة الثانوية العامة الجديدة. قبل 50 عاما كان مدير البنك أو المعلم أو المحامي شخصية مهمة تضمن الحصول على منزل كبير. في الوقت الحاضر، يمكن للأشخاص في هذه الوظائف أن يجدوا أنفسهم يعيشون في غرف نوم طفولتهم، ويكافحون من أجل إرضاء الآباء الأقل تعليما الذين يتحكمون في وعاء الذهب. تعمل ثروة الأسرة على ترسيخ التسلسل الهرمي للعائلة. مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع بشكل عام (باستثناء الولايات المتحدة)، يظل هذ التسلسل الهرمي بلا تغيير لفترة أطول مما كان عليه في أي حقبة سابقة.
نقطة الصفر بالنسبة للتبعية الأسرية هي إيطاليا، حيث في المتوسط يغادر الطفل المنزل في سن 30. مع انخفاض معدل المواليد الإيطالي إلى 1.32 طفلا لكل امرأة حتى قبل الانهيار أثناء الوباء، تتراجع أعداد الأفراد في العائلات، ما يقلل من الحاجة إلى الادخار. لذا العائلات البرجوازية تستهلك ثرواتها، وتتماسك الأجيال معا.
كثير من المهن التي يعمل فيها أشخاص متعلمون - الأوساط الأكاديمية، والصناعات الثقافية، والتصميم الجرافيكي - تدفع رواتب قليلة جدا لدرجة أنه حتى مع وجود قليل من الميراث، ينحدر جيل الشباب من حيث الطبقة الاجتماعية. تقول الكاتبة الفرنسية ليزا فينيولي، التي ستظهر روايتها عن الحركة الهبوطية Les déclassés في كانون الثاني (يناير) المقبل، إن الاضطرار إلى بيع منزل العائلة يمكن أن يكون مصدر عار وذكريات مفقودة.
لحظة الميراث غالبا ما تدمر الأسرة. يقول أحد أصدقائي الذي يجري تقييمات للوحات الفنية، إن الوضع الطبيعي الآن هو القتال بين الأشقاء حول من يحصل على ماذا. يمكن أن ينجرف الورثة الأغنياء إلى الضياع بلا هدف، نتيجة عدم رغبتهم في العمل مقابل رواتب زهيدة لا يحتاجون إليها. عدم النشاط يمكن أن يولد عقدة النقص: بينما يميل أقرانهم العاملون إلى أن يصبحوا أكثر قدرة في منتصف العمر، يصبح كثير من الورثة غير ذي صلة.
غالبا ما يجد الذين يسيطرون على شركة العائلة أنفسهم في مواقف صعبة لا يستطيعون الخروج منها. الأمر الذي له دلالته هو أن أربعة من أصل 12 من أصحاب أندية كرة القدم الذين كانوا وراء الخطة الكارثية لدوري السوبر الأوروبي كانوا ورثة. الخامس، ستيفن تشانج، رئيس إنتر ميلان البالغ من العمر 29 عاما، تسلم النادي من والده الملياردير.
مع ذلك، مواضيع الانتقال إلى الأدنى والوراثة تتجاوز العائلات. يصور مسلسل Years & Years دولة تنتقل بأكملها إلى الأدنى، المملكة المتحدة. إذا أضفنا الوباء وتغير المناخ، فهذا هو العالم في الوقت الحالي.
أضف تعليق