ثقافة وفنون

وحيد الدين خان: الإسلام رسالة إنسانية وليس أيديولوجيا للحكم

وحيد الدين خان: الإسلام رسالة إنسانية وليس أيديولوجيا للحكم

وحيد الدين خان: الإسلام رسالة إنسانية وليس أيديولوجيا للحكم

وحيد الدين خان: الإسلام رسالة إنسانية وليس أيديولوجيا للحكم

وحيد خان

توفي يوم الأربعاء، 21 نيسان (أبريل) الجاري، عن عمر ناهز 96 عاما المفكر الهندي وحيد الدين خان، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا، الذي حول الهند إلى بؤرة في القارة الآسيوية، يحطم فيها أرقاما قياسية غير مسبوقة. يحظى الراحل بمكانة متقدمة، في قائمة مفكري الإسلام خارج المنطقة العربية، إلى جانب أسماء أخرى من طينة محمد إقبال وعلي عزت بيجوفيتش وعلي شريعتي وروجي جارودي.. لكن صدى أفكار الرجل في العالم العربي ظل محدودا مقارنة بأقرانه.
شرع خان في الكتابة والتأليف مبكرا، حيث انتظم في النشر مطلع ستينيات القرن الماضي، في سلك لجنة التأليف التابعة للجماعة الإسلامية قي الهند، ثم تولى رئاسة تحرير "الجمعية الأسبوعية" حتى إغلاقها من قبل السلطات. قرر بعدها الاستقلال بذاته، فأصدر في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1976 مجلة "الرسالة" المنتظمة الإصدار إلى اليوم. تجاوزت مصنفات الراحل 200 مؤلف، راوحت لغة كتابتها بين الإنجليزية والأوردية والهندية. ولم يترجم منها إلى اللغة العربية سوى زهاء 40 كتابا فقط.
يجد قارئ كتابات وحيد الدين خان نفسه أمام أسلوب علمي تحليلي متفرد، استطاع أن يستوعب ثقافة العصر في أعقد ظواهرها، ويدمجها مع ثقافة الإسلام في أدق تفاصيلها. مستثمرا في ذلك تنوع مشارب تكوينه، فإلى جانب الفكر الإسلامي، تخصص الرجل في الفلسفة، حتى برز اسمه في الفلسفة الإسلامية المعاصرة. فقد نجح في بلورة علم كلام جديد يتوافق وعصر العلم، بعيدا عن جدل الفرق الإسلامية القديمة، وخاليا من أي محاكاة لسجالات الفلسفة اليونانية.
تمثل خان رسالة الإسلام داخل المجتمع الهندي المتعدد الأديان والطوائف، فحرص على رؤيته عن روح السلام في الإسلام، وسجل موقفا تاريخيا عام 1992، بتصديه لحالة الانقسام الديني الحادة التي شهدتها الهند، بسبب أزمة "مسجد بابري" معلنا ضرورة اقتناع الناس بالحاجة إلى استعادة السلام والوئام لضمان سير البلاد، فشرع في "مسيرة سلام"، جابت 35 منطقة هندية، مع قيادات في باقي الطوائف الهندية. بالموازاة مع ذلك، حرص على تنظيم لقاءات تجمع القادة الدينيين في البلاد من أجل نشر السلام والمحبة.
وجسد من خلال مؤلفاته حضور الإسلام الدائم في حياة المسلم المعاصر، فكتب في أوج الإعجاب بالماركسية إبان التوسع السوفياتي، كتاب "الماركسية في الميزان"، وقبل ذلك حاول تأطير واقع العالم الإسلامي من خلال عدة كتب، "على باب قرن جديد" و"حاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام" و"نحو انبعاث إسلامي" و"نحو علم كلام جديد".. مؤكدا أن المسلمين لم يستوعبوا التحولات التي طرأت في العالم، ولم يفهموا طبيعة العصر واحتياجاته، ما جعل الأمة غير مواكبة لتلك التحولات، لعدم امتلاك القوى الجديدة التي تمخضت عن هذه التغيرات، ما يجعلها في النهاية غير مهيأة لمتطلبات المرحلة الجديدة.
عربيا، ذاع صيت الرجل بكتاب "الإسلام يتحدى" الذي غطى على بقية الأعمال، وانتشر في العالم العربي لما فيه من استدلال علمي وعقلاني على الشبهات الرائجة عن الإسلام، فاستعمل قوانين الإحصاء والفلك والرياضيات والفيزياء للدلالة على وجود الله، مؤكدا أن جوهر مشكلة العصر ضد الدين هو في طريقة الاستدلال، مدافعا عن ديانة الإسلام كإحدى روافع وقوائم الحضارة الإنسانية.
وإن كانت الحاجة ماسة في المشهد العربي إلى كتاب آخر بعنوان "حكمة الدين"، حيث يطرح المفكر موقفا نوعيا من مسألة الجهاد. فالرجل لا يؤمن بالنهج الجهادي التي تسلكه بعض الجماعات الدينية، وانتقد حصر مفهوم الجهاد في العنف، فالعقلية القتالية التي استولت على الشباب حتى أصبح صانعا للموت بدل الحياة باسم الجهاد، ليس من الإسلام في شيء من وجهة نظر خان.
رؤية وضعت الرجل في مواجهة مباشرة مع ابن بلده أبو الأعلى المودودي، المنظر الأكبر لفكرة الإسلام السياسي، الذي لا يقبل غير التفسير السياسي للدين، فالإسلام جاء بنظام دولة إلهية بالمفهوم العصري لمعنى الدولة التي ليس أمام الناس إلا الاستسلام لها. فمبتغى الدين لديه، إنهاء إمامة "الكفرة الفجرة" كي يحل محله نظام "الإمامة الصالحة" بغية الإمساك بزمام الأمور البشرية، كطريق أوحد لإصلاحها، ما يتطلب توظيف أركان الدين وشعائره التعبدية، ومفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توظيفا سياسيا لتحقيق تلك الغاية.
يصبح الدين وفق هذا التأويل المتعسف تابعا للسياسة، في محاولة لإعادة بناء مفهوم الدين ذاته، فلا يقام الدين عنده إلا من خلال حكومة وسلطة، ودعوة الناس إليه لا تنجح إلا بسيطرة فوقية على الدولة، وبلوغ السلطة لا يتأتى إلا من خلال جماعات وتنظيمات مسلحة. وهكذا ترجم المودودي "الحاكمية" بلفظ "السيادة"، ورأى أن أساس الصراع الكوني هدفه الأكبر أن يصبح المسلمون حكام الأمم، تحت عنوان استعادة حكم الخلافة، بذلك يصبح الدين، عامل إثارة وأساس الصراع في العالم.
يرفض وحيد الدين خان هذه الرؤية الاختزالية للإسلام، في كتاب "التفسير الخاطئ"، كاشفا عن مخاطر تحويل هوية الأمة إلى "حاكمة"، أي هوية قتالية قائمة على الصراع، بهدف الظفر بمقاليد الحكم والسلطة والسيطرة. وطمس هوية الإسلام الحقيقية كأمة داعية مبشرة، فالإسلام - بحسب خان - حركة سلام عالمية، ودين دعوة وهداية وتعايش أمان، وليس دين سلطة وحكم وصراع.
استند المفكر إلى السيرة النبوية للدفاع عن قراءته، فنبي الإسلام لم يخض في حياته كلها إلا ثلاث معارك فقط، وكل الوقائع التي تم التأريخ لها تحت عنوان "غزوات"، كانت نماذج كلها على تجنب خوض الحرب، وليس الضلوع فيها. لم يدخل المسلمون فعليا ساحة القتال، إلا في بدر وأحد وحنين، وكان خوض الحرب فيها حتميا دفاعا عن النفس.
تصدي خان لأطروحات المودودي وسيد قطب تفسير لأسباب انحصار نطاق تداول أفكاره في العالم العربي، فحاجة الإسلام السياسي إلى تنظير فكري وتأصيل شرعي يدعمان ممارساته في الواقع، كانت السبب وراء اهتمام الساحة الفكرية العربية اهتماما كبيرا بإنتاجات رمز من رموز الإحياء الديني في الهند دون الآخر، فقد احتفت بكتابات أبو الأعلى المودودي، وفي المقابل، تجاهلت أفكار وحيد الدين، التي لا تقل عنه نوعية وجدية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون