Author

جوانب التحليل الاقتصادي للقانون

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
ما المقصود بالعنوان؟ مرتبط بمعرفة طبيعة كل علم من العلمين القانون والاقتصاد. والمدخل لمعرفة طبيعة ومغزى أي علم هو التعريف به المبني على فهم. مما يعرف به القانون، أنه القواعد الاجتماعية الملزمة المنظمة لعلاقات الأفراد داخل الجماعة، التي تستتبع مخالفتها توقيع الجزاء. ومصدر القانون تتفاوت فيه المجتمعات. ففي بلاد المسلمين تشكل الشريعة أساسا.
ماذا بشأن علم الاقتصاد economics؟ وقلت علم الاقتصاد وليس الاقتصاد لأن العلم هو المقصود في العنوان وليس عالم الاقتصاد الواسع.
لنا أن نعرف علم الاقتصاد تعريفا مختصرا في دلالته على طبيعته ومغزاه، بأنه دراسة كيفية استخدام الموارد المتاحة، وهي بطبيعتها محدودة، لإنتاج وتبادل السلع والخدمات. في الجنة فقط تكون الموارد غير محدودة، جعلنا الله من أهلها. وتحتاج معرفة هذه الكيفية إلى أدوات تحليل تبين كيف يحصل الإنتاج والتبادل. ويبنى على ويستفاد من هذه الكيفية في محاولة معرفة الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
مما سبق نفهم أن علم الاقتصاد لا يضع قواعد للسلوك، لكنه يسهم في إنارة الطريق لواضعها. وهذا الكلام يشكل مدخلا لفهم العلاقة بين العلمين.
هناك قانون وهناك استخدام أمثل لموارد ذات قدر محدد. وهنا يطرح سؤال عن مدى تحقيق القانون للاستخدام الأمثل للموارد. هذه قضية بطبيعتها خارج التخصص القانوني. ومن ثم، ليس بالضرورة أن يحقق القانون المطبق أو المرغوب في تطبيقه الاستخدام الأمثل.
قبل 40 عاما فأكثر، كان التحليل الاقتصادي "في الدول الصناعية الرئيسة على الأقل"، يتركز على قضايا التكتلات والاحتكارات، والتنظيمات الحكومية للاقتصاد، لكن التحليل الاقتصادي والتفاعل بين الاقتصاديين والقانونيين توسع بعد ذلك.
بصفة عامة، يستفاد من التحليل الاقتصادي للقانون في ثلاثة جوانب مختلفة.
الجانب الأول، دراسة الآثار المتوقع حدوثها في المستقبل نتيجة تطبيق قوانين "أنظمة" بعينها.
الجانب الثاني، المساعدة على معرفة أي القوانين أكثر كفاءة من وجهة اقتصادية. وهذه الكفاءة تعني بعبارة تقريبية ومفهومة من غير المختصين الاقتصاديين الحصول أو محاولة الحصول على أقصى منفعة مادية أو أقل خسارة مادية ممكنة صافية "أي بعد خصم التكاليف" من الموارد المتاحة "المستعملة كرأس المال واليد العاملة".
الجانب الثالث الأخير، توقع كيف ستكون أو تغير القوانين في المستقبل.
لوحظ في الجانب الأول أن التحليل الاقتصادي يبين نتائج أو آثارا للقوانين ما كان بعضها على الأقل في حسبان واضعي القوانين حدوثها. ومن أمثلة ذلك التقدير الكمي لحجم الآثار غير المرغوب فيها عند منح بعض الإعانات أو الإعفاءات، أو عند عمل رقابة سعرية على بعض السلع أو الخدمات، أو عند فرض قيود على بعض الأنشطة الاقتصادية. ولذلك عند تقييم الأنظمة أو سنها ينبغي عدم النظر فقط إلى جانب تحقيقها العدل، لكن أيضا إلى مدى آثارها في الأهداف الأخرى غير العدل، كتحقيق النمو الاقتصادي، وتقليل العطالة. بالنسبة للجانب الثاني وهو الكفاءة الاقتصادية، السابق شرح معناها، فهو مبني على فكرة أن أحد أهداف القوانين أو الأنظمة تحقيق الكفاءة الاقتصادية. لكن قد يخفى بعض جوانب ودقائق هذه الكفاءة على واضعي القوانين. مشكلة أخرى هي أن هناك خلافات بين أفراد المجتمع في تقدير أهمية المنفعة المحققة. ومعرفة الكفاءة الاقتصادية بأفضل سبيل تساعد على تخفيف حدة هذه المشكلة، بحسن الاختيار عند وضع القوانين.
الجانب الأخير وهو توقع ما سيكون عليه القانون. التحليل الاقتصادي سواء للقانون أو غيره، يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتعلم ما ينبغي أن يكون، أو محاولة لشرح ما هو كائن، وما يتوقع أن يكون.
وهنا مثال في التحليل التقليدي لموضوع التأثيرات الخارجية externalities التي تسمى أحيانا التأثيرات الخارجية التقنية technological externalities تفريقا بينها وبين عامة التأثيرات الخارجية
تنشأ المؤثرات الخارجية حين يكون بعض الآثار الجانبية في الاستهلاك أو الإنتاج غير مشمولة بالسعر. وهذه الآثار قد تكون نافعة وغالبا ما تكون ضارة.
في حالة الآثار الضارة، فإن المقصود أن يتسبب فعل طرف في تحمل طرف آخر تكلفة. لكن الطرف المتسبب لا يدفع للطرف الآخر مقابلا عن التكلفة التي تحملها. حدوث هذا يعطي مخرجات أقل كفاءة. نظرا لأن الطرف الأول يتجاهل تكاليف تسبب بها عندما يضع قراراته الإنتاجية.
دروس من تفسير إمام الاقتصاديين يوسف - عليه السلام - لرؤيا ملك مصر
عماد ما قاله يوسف - عليه السلام - ادخار جزء كبير مما يزرعونه، أي الاقتصاد الشديد في الاستهلاك خلال أعوام الإنتاج تحسبا للأعوام الشداد. وخفض الاستهلاك للادخار ليس في كماليات، بل في قوت أساسي. وهو مطلب عام للجميع.
قبل التطبيق، يظهر سؤال جوهره عن نسبة ما ينبغي ادخاره؟ في هذا أخبرنا - سبحانه - عن قول يوسف - عليه السلام - لملك مصر: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ". جمع بين الأمانة والعلم.
تزايد الاهتمام بمقرر علم الاقتصاد للقانونيين: في الوقت الحاضر هناك اهتمام جامعي عالمي متزايد لتدريس مقرر تطبيقي يعنى بالتحليل الاقتصادي للقانون، غالبا تحت مسمى "قانون وعلم اقتصاد law and economics". المقرر يناسب القانونيين الذين لا يهوون التحليل الكمي المتعمق. ذلك لأن علم الاقتصاد، خاصة في مرحلة الدراسات العليا، يعتمد على الإحصاء والرياضيات بكثافة عالية. لكن فهم مبادئ الاقتصاد لا تتطلب توافر مهارات رياضية وإحصائية عالية، بل يكفي توافر المعرفة التي درسها الطالب في التعليم العام. ويساعد المقرر على فهم الرسوم البيانية غير المعقدة.
إنشرها