المتعة والسعادة

تعيش المجتمعات الرأسمالية على فكرة الاهتمام بالرغبات البشرية ومحاولة تحقيقها بكل الوسائل المتاحة، الأمر الذي أوجد كثيرا من الشك في براءة النظريات واهتماماتها الروحانية التي تستمر في التراجع مع سيطرة الماديات على المجتمعات التي تبنت الفكر الرأسمالي.
مع التأكيد المستمر على أن سمو الروح البشرية ووجود كم منطقي من التكافل المجتمعي والعناية بالمحتاجين وتقريب البون الذي يفصل بين الفئات المجتمعية، كان هدفا للنظريات المعارضة للفكر الرأسمالي، ونشأت نظرية الاشتراكية حيث تتلاشى الفروق المالية بين فئات المجتمع لتكون القطب المقابل للنظرية الرأسمالية.
إلا أن النظريتين لم تتمكنا من تحقيق "السعادة" وهو الغرض منهما. فكما أن الفقراء في المجتمعات الرأسمالية يعانون، والكل في المجتمعات الاشتراكية يفقد الحافز للإبداع، تنامت حالات التأفف والرفض لهاتين النظريتين بحكم بشريتهما التي لا تخلو من النقص والعيوب.
دفع البحث كثيرين إلى تفقد المفاهيم والمبادئ التي تحكم أساليب تفاعل وحياة مختلفة في ثقافات الدول والشعوب، وهذا ما جلب كثيرا من الباحثين الغربيين نحو الشرق باعتبار أن محافظة هذه الحضارات على نفسها منذ أزمنة قديمة قدم الأرض نفسها، أسهمت في حماية جزئيات كبيرة من مظاهرها ومعتقداتها. البحث أدى إلى تبني البعض مفاهيم شرقية، سواء في أسلوب العيش أو طريقة التفاعل مع الطبيعة والأشياء والناس. تبقى الشريعة الإسلامية المنبع الأساس في المحافظة على التوازن المنطقي بين الرأسمالية الحاشدة للجهود والاشتراكية المتفاعلة مع الأقل حظا بما تمثله مفاهيمها من عبقرية في تكوين الرؤية العامة للحياة الدنيا والعلاقة بينها وبين الحياة الأخرى وما يتطلبه كل منهما.
على أننا كمجتمعات مسلمة نواجه كثيرا من الشحن مع التطور الهائل في وسائل الاتصال والفرص العظيمة التي يمكن أن يحصل عليها الفرد في هذه "الحقبة" للتفاعل مع الآخرين والتعرف على حضاراتهم. مع الابتعاد المنهجي الذي طال اهتمام المجتمعات بالوحدة الأصغر "الأسرة" وما بعدها، نواجه اليوم حالة مختلفة، حيث نجد أن كثيرا من المحتاجين يعيشون في جوارنا ولا نستطيع التعرف عليهم لأسباب كثيرة، أهمها الأنانية المجتمعية وأبطالها "نحن" من نبحث عن المتعة المادية ونهمل الأساسات التي كانت تحقق لنا السعادة في أزمنة سابقة، وأهمها التفاعل المجتمعي مع من نعيش بينهم أو يعيشون بيننا.
لهذا، نشاهد كثيرا من الاندفاع نحو الاستهلاك المادي، وترتفع في الوقت نفسه حالات البؤس والكآبة بسبب بحثنا عن المتعة وليس السعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي