Author

التحفيز الاقتصادي الأمريكي

|

أقر الكونجرس الأمريكي أخيرا برنامج الرئيس بايدن لإنعاش الاقتصاد، الذي يأمل الرئيس أن يتخطى الاقتصاد الأمريكي بموجبه آثار أزمة كورونا. ويتضمن البرنامج زيادة إنفاق الحكومة الأمريكية بمبالغ ضخمة تصل إلى 1.9 تريليون دولار. ويقارب هذا المبلغ حزمة التحفيز الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة عند بداية أزمة كورونا العام الماضي. وسترفع حزمة الإنفاق التحفيزي القدرة الشرائية للأمريكيين بنسبة 9 في المائة من الناتج المحلي. ويتضمن مشروع الإنفاق الإضافي عديدا من برامج التحويلات للأسر المتوسطة والمنخفضة الدخل والعاطلين عن العمل والتعامل مع آثار الجائحة في المجتمع الأمريكي وجهود التصدي لها.
سيقود تفعيل حزمة الإنفاق الإضافية الأمريكية، إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي. ومن المستشرف أن يقود التحفيز إلى تسارع النمو الاقتصادي الأمريكي إلى معدلات تتجاوز 6 في المائة هذا العام، خصوصا بعد أن وصلت تقديرات النمو في الربع الأول الحالي إلى 10في المائة. ولن يقتصر تأثير التحفيز على اقتصاد الولايات المتحدة فقط حيث ستمتد آثاره إلى الاقتصاد العالمي، الذي سينتفع من زيادة الطلب الأمريكي على البضائع والخدمات العالمية. ومن المتوقع أن يرفع التحفيز الإنفاق العالمي الإجمالي على السلع والخدمات بما يقارب 2 في المائة. وهذا سيحفز الناتج المحلي العالمي ويسهم في عودته إلى مستوياته قبل الأزمة ويمكن أن يدفعه إلى تعديها. وسيغذي هذا التسارع النمو الاقتصادي الصيني المرتفع، ما سيوفر قاطرتي سحب قويتين للاقتصاد العالمي. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يرفع برنامج التحفيز الأمريكي معدلات النمو الاقتصادي العالمي بما لا يقل عن 1في المائة في 2021. وهذه تقديرات متحفظة حيث قد يتحسن الاقتصاد العالمي بمعدلات قد تصل إلى 2 في المائة نتيجة للبرنامج.
من المتوقع أن تكون الصين أقوى منافسي الولايات المتحدة التجاريين والسياسيين والاستراتيجيين أكثر المستفيدين الخارجيين من حزمة التحفيز الأمريكية. وتتجاوز تقديرات الطلب الإضافي على السلع الصينية نتيجة التحفيز الأمريكي 50 مليار دولار. ويخشى بعض المراقبين أن يؤدي التحفيز الأمريكي، إلى زيادة فجوة العجز الأمريكي التجاري مع الصين، ما سيرفع مستويات التوترات التجارية بين الدولتين ويزيد الانتقادات الموجهة لبرنامج التحفيز ذاته. يلي الصين في مدى الاستفادة من البرنامج المكسيك وكندا وألمانيا واليابان وباقي الدول الأوروبية. ومن المتوقع أيضا أن تستفيد الدول المصدرة للمواد الأولية، بما في ذلك النفط، حيث سيرتفع الطلب العالمي عليه، ما سيدعم تعافي الأسعار والإيرادات النفطية للدول المصدرة.
تتضمن خطة الإنعاش الاقتصادي الأمريكي عديدا من التحويلات التي من أبرزها إرسال 1400 دولار إضافي إلى معظم الأسر الأمريكية. كما تتضمن دعما إضافيا لبرامج العاطلين عن العمل، وبعض المزايا الضريبية للأسر التي لديها أطفال. وتتضمن الخطة أيضا دعما لعدد آخر من البرامج، وتخصيص مزيد من الأموال لجهود التصدي لجائحة كورونا، ودعم الأعمال الصغيرة وحكومات الولايات. وسيدعم البرنامج إنفاق معظم الأسر الأمريكية، ويخفف من آثار الأزمة والمصاعب التي تواجهها الأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل، ما سيحسن - بلا شك - عدالة توزيع الدخل في المجتمع الأمريكي. ويتخوف البعض من أن نسبة كبيرة من التحويلات ستذهب إلى تمويل الواردات، نظرا لتعطل كثير من الأنشطة الاقتصادية والخدمات المحلية بسبب قيود وإجراءات مكافحة انتشار كورونا.
يظهر برنامج بايدن للتحفيز الاقتصادي اختلاف السياسات الاقتصادية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث يميل الديمقراطيون إلى دعم الأفراد والأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل، بينما يتحيز الجمهوريون أكثر لمصلحة الشركات ومرتفعي الدخل في مشاريعهم الاقتصادية. ويستهدف برنامح بايدن للتحفيز الاقتصادي، بشكل واضح، دعم منخفضي الدخل، وخصوصا الفقراء، ودعم الأسر بأطفال، وخفض معدلات الفقر بين هذه الأسر.
يؤيد معظم الشعب الأمريكي برنامج بايدن للتحفيز الاقتصادي وهذا أمر متوقع، ولكن معارضو البرنامج من أقصى اليمين يعتقدون أن حجم البرنامج مبالغ فيه، بل يرى بعضهم عدم الحاجة إليه لكون الاقتصاد في مسيرة التعافي من دونه. في المقابل، يميل اليسار إلى الاعتقاد بأن حجمه أقل مما يجب لإنعاش الاقتصاد، وأن قصور حجم التحفيز خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 تسبب في استمرار الركود الاقتصادي السابق لفترة طويلة. من جهة أخرى يرى عديد من الاقتصاديين أن البرنامج سيفاقم أزمة الدين العام الذي تصاعد خلال الأزمة الحالية، حيث ارتفع منذ بداية أزمة كورونا بنحو أربعة تريليونات دولار، ويقترب الدين العام الأمريكي حاليا من 28 تريليون دولار. وسيقفز البرنامج الاقتصادي الجديد بالدين العام الأمريكي إلى مستويات تفوق 30 تريليون دولار عند نهاية العام، ما يمثل عبئا اقتصاديا قادما. ويرى مؤيدو البرنامج أن تحقيق معدلات نمو اقتصادي بمستويات تراوح بين 4 و5 في المائة سنويا خلال الأعوام المقبلة سيحل أزمة الدين مع مرور الوقت. ويتطلب تحقيق هذا المعدل مزيدا من التحفيز خلال الأعوام المقبلة، ما يعني اقتراضا أكثر وتفاقما أكبر للدين الوطني. ويمكن تحمل الدين الوطني المرتفع ما دامت معدلات الفائدة منخفضة، ولكن ظهور بوادر ارتفاع التضخم سيدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع معدلات الفائدة. وإذا ما ارتفعت معدلات الفائدة بشكل ملموس، فإن تكاليف خدمة الدين سترتفع إلى مستويات يصعب تحملها.

إنشرها