ريادة فضائية وعوائد اقتصادية
للسعودية تاريخ طويل مع الفضاء، ومنذ تلك الرحلة التاريخية للأمير سلطان بن سلمان، التي تم فيها إطلاق القمر العربي الأول "عرب سات" عام 1985، حيث أطلق القمر من المكوك الفضائي ديسكفري، تطورت مشاريع ونماذج الأقمار الاصطناعية وأهدافها. وكانت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، من خلال معهد بحوث الفضاء، قد عملت على عدة مشاريع كبرى مع شركاء من دول العالم المتقدمة في هذا المجال، حيث تم إطلاق 17 قمرا اصطناعيا منذ عام 2000 حتى 2021، وكان أول تلك الأقمار "سات 2" و"سات 2 ب"، وذلك لأغراض إرسال وتخزين البيانات.
ومن ثم توالت الإرساليات، من بينها إطلاق منظومة أقمار اصطناعية "كومسات" عام 2007، التي بلغت خمسة أقمار، تهدف إلى تتبع السفن التجارية ومعالجة بياناتها، كما تم في عام 2014 إطلاق "قمر سات 4"، لإجراء تجارب علمية فيزيائية على الأشعة فوق البنفسجية، بالتعاون مع جامعة ستانفورد الأمريكية ووكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". وفي عام 2018، تم التعاون مع وكالة الفضاء الصينية لإطلاق القمر الاصطناعي "شانج إي 4"، في مهمة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر.
وبالأمس، تم إعلان إطلاق القمرين الاصطناعيين "شاهين سات 17" التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، و"CubeSat" التابع لجامعة الملك سعود، وذلك من قاعدة بايكونور في كازاخستان على متن الصاروخ الروسي Soyouz2. فحقيقة عالم الفضاء ليست جديدة بالنسبة إلى السعودية، وهو ضمن برنامج عمل تم تطويره مع رؤية المملكة 2030، ليكون أكثر ارتباطا بمستهدفاتها، التي تعمل على تسخير الموارد كافة، من أجل بناء حضارة إنسانية لخير البشرية جمعاء. فهذه التجارب وهذه الأقمار الاصطناعية، تعمل من أجل خدمة الإنسان السعودي أولا، وبالاستفادة الكاملة من جميع الممكنات الحضارية، ومنها الفضاء، فمن يحجز مكانا في الفضاء وتجاربه وأقماره، فقد حجز له مكانا في حضارة القرن الـ21. وعملت السعودية مبكرا على هذه المشاريع، وأصبح لديها رصيد من الخبرة والتجربة يمكنها من دخول السباق العالمي لتحقيق مقعد يليق بمكانتها إقليميا ودوليا. كما أن هذا الإنجاز يعد نتاجا للدعم الكبير الذي يحظى به قطاع البحث والتطوير والابتكار في المملكة.
ومن اللافت للنظر أن هذه المرحلة تضمنت إطلاق المكعب الفضائي CubeSat، التابع لجامعة الملك سعود، وهذه المكعبات الفضائية تمثل أقمارا صغيرة يبلغ حجمها 10*10*10 سنتيمترا، وتزن كيلو جراما واحدا، وقد أطلقته كأول جامعة سعودية تعمل على مثل المشاريع الفضائية من أجل إعداد وتأهيل طلاب الهندسة والجامعة في مجال تصميم وبرمجة الأقمار الاصطناعية. وهذا يضع الجامعة في مسار علمي مهم، يمثل بناء القدرات البشرية من أجل استكمال العمل على البرنامج السعودي، وبناء قوة بشرية قادرة على ذلك في المستقبل، حيث إن تدريب وتعليم هذه القدرات الشابة يستغرق وقتا وموارد اقتصادية كبيرة.
وهذه المكعبات الفضائية ذات تكلفة محدودة، ويتم إطلاقها بتكلفة بسيطة جنبا إلى جنب الأقمار الرئيسة، وعند مدارات معينة. ويقدم هذا القمر صورا فضائية للقطاعين الحكومي والخاص، لخدمة أهداف التنمية في المملكة، كما يعمل على تتبع السفن البحرية عبر توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. ومن الجدير بالذكر، أن السعودية ضمن رؤيتها 2030، أنشأت الهيئة السعودية للفضاء بموجب أمر ملكي في ربيع الآخر 1440 (ديسمبر 2018)، وتقتضي استراتيجية الهيئة السعودية للفضاء وضع مجموعة من الأهداف الأولية التي تخدم مصالح الأمن الوطني وتحميه من المخاطر المتعلقة بالفضاء وتشجع النمو والتقدم. كما أن اقتصاد الفضاء وفقا لدراسة أجراها بنك "مورجان ستانلي" قد يتخطى تريليون دولار عام 2040 من عوائد خدمات الأقمار الاصطناعية والصواريخ، وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عوائد الاستثمار ما بين 280 و300 مليار دولار. ولهذا، فإن السعودية ضمن خططها لتنويع الاقتصاد السعودي، تسعى من خلال هذه المشاريع والمؤسسات إلى أن تحقق تقدما كبيرا في هذا المجال المثمر عالميا اقتصاديا وأمنيا.