تداعيات بريكست .. انهيار الواردات الألمانية من المملكة المتحدة
يجب أن نقول إنها ليست أفضل البدايات لعلاقة ما بعد بريكست بين المملكة المتحدة وثاني أهم شريك تجاري لها (بعد الولايات المتحدة). أظهرت إحصاءات رسمية أن واردات السلع الألمانية من المملكة المتحدة تقلصت ملياري يورو، 56.2 في المائة، في كانون الثاني (يناير) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي وأصبحت 1.6 مليار يورو، وهو تراجع غير مسبوق في هذه الألفية.
في الواقع، وصلت القيمة المعدلة حسب التضخم للسلع التي استوردتها ألمانيا من المملكة المتحدة إلى أدنى مستوى لها منذ إعادة توحيد ألمانيا في 1991، وفقا لحسابات فاينانشيال تايمز.
لم تكن نهاية الفترة الانتقالية هي العامل الوحيد. كان الطلب الألماني محدودا بسبب الإغلاق الوطني وانخفض إجمالي واردات السلع 9.8 في المائة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. قد تكون الشركات قد أخرت التجارة أيضا نظرا لخطر وجود طوابير انتظار على الحدود وربما يكون مخزونها المكدس قد نفد قبل نهاية الفترة الانتقالية. لكن انهيار قيمة واردات البضائع من المملكة المتحدة كان أكبر بكثير من انهيار الواردات من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا والدنمارك وهولندا والنمسا وبولندا والبرتغال وإسبانيا مجتمعة
كان هناك بعض التأثير في الاتجاه الآخر أيضا. الضربة التي لحقت بصادرات السلع الألمانية إلى المملكة المتحدة لم تكن بقوة الضربة نفسها التي تلقتها الواردات لكنها لا تزال تشكل ضربة كبيرة: انخفضت 29 في المائة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
إنها قصة مشابهة في دول أخرى. أوردت فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي أن الصادرات الفرنسية إلى المملكة المتحدة تراجعت 13 في المائة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بمتوسط الأشهر الستة السابقة، في حين تراجعت الواردات الفرنسية من المملكة المتحدة 20 في المائة، وفقا لمكتب الجمارك الفرنسي. كذلك أظهرت بيانات أولية من إيطاليا أن الواردات من بريطانيا العظمى تراجعت 70 في المائة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
كل هذا يؤكد تقديرات هيئة الرقابة المالية في المملكة المتحدة بأن الاضطرابات الحدودية تضر بصادرات المملكة المتحدة أكثر من الواردات، ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية أن يصل تعطيل التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى 0.5 في المائة على الاقتصاد في الربع الأول.
اتفق المعلقون عالميا على أن جزءا كبيرا من هذا الانخفاض مرتبط ببريكست. قال جيمس سميث، وهو اقتصادي في بنك ING الهولندي، إن جزءا من الانخفاض كان "دون جدال بسبب الاضطراب في الوقت الذي بدأت فيه الشركات في التعامل مع الأوراق والعمليات الجديدة".
أوضح صورة لجوانب التعطيل المذكورة تظهر من خلال الاستطلاعات في أوساط الشركات. أفاد نحو 61 في المائة من مصدري الصناعات التحويلية في المملكة المتحدة أن الأعمال الورقية الإضافية تمثل تحديا للصادرات، وفقا لاستبيان رسمي أجراه مكتب الإحصاء الوطني في الأسبوعين حتى السابع من شباط (فبراير). واجه ما بين 25 في المائة و30 في المائة من الشركات المصنعة تغيرات في تكاليف النقل والرسوم الجمركية أو الضرائب، إلى جانب التعطيل على حدود المملكة المتحدة.
بشكل مقلق، حذر أندرياس ريس، وهو اقتصادي في بنك يوني كريديت، من أن تكاليف التعديل قد تعني أن تكلفة التجارة عبر الحدود الآن "باهظة للغاية" بالنسبة للشركات الصغيرة. أضاف أن الصورة التجارية الثنائية "القاتمة" هي جزئيا نتيجة حقيقة أن اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لم يتم التوقيع عليها حتى اللحظة الأخيرة "ولم تكن السلطات ولا الشركات مستعدة بالكامل لذلك".
اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على صفقة تجارية أخيرة لتجنب الرسوم الجمركية على معظم السلع، دخلت حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير). مع ذلك، لا تزال التجارة معطلة بسبب تغير المتطلبات الجمركية وتأخير النقل وتكاليف الشحن.
أخرت المملكة المتحدة أو قللت التشدد في تطبيق بعض الأعباء الضريبية وعمليات التفتيش حتى تموز (يوليو)، لكن الاتحاد الأوروبي طبق المتطلبات الجمركية الكاملة المستحقة على الصادرات من بريطانيا العظمى إلى الاتحاد الأوروبي منذ الأول من كانون الثاني (يناير).
إذا أردنا أن نكون إيجابيين، يمكن القول إن من غير المرجح أن تظل الأمور بهذا السوء إلى الأبد. يتوقع مكتب مسؤولية الميزانية أن يتلاشى الاضطراب مع اعتياد الشركات على جانبي القناة على ترتيبات تجارية جديدة، على الرغم من أنه ذكر أن "المزيد من التعطيل ممكن عندما تنفذ المملكة المتحدة الاتفاقية بالكامل على جانبها من الحدود في وقت لاحق من العام" .
قالت يائيل سيلفين، وهي اقتصادية في كيه بي إم جي، إن أرقام التجارة من المرجح أن تكون أقرب إلى المعدل الطبيعي في وقت لاحق من هذا العام، مع تحسن إحصاءات حركة الموانئ. أظهرت هذه الأرقام بعض التحسن في الأسبوع الأخير الذي لدينا بيانات عنه. لكنها حذرت قائلة: "لا تزال هناك أسئلة قائمة حول كيفية تسوية العلاقة التجارية بمجرد أن تتكيف الشركات تماما مع واقع بريكست".
مع ذلك، هناك أمل دائما في أن تتمكن مجموعة من الصفقات بين المملكة المتحدة والشركاء التجاريين في مناطق أبعد من سد هذه الفجوة.