عمليات بيع السندات نذير بما ستؤول إليه الأمور

عمليات بيع السندات نذير بما ستؤول إليه الأمور
الحوافز المالية القوية في الولايات المتحدة تلقي بثقلها على سوق السندات.

بالنسبة لكثير من الأشخاص في أسواق السندات قد تبدو عمليات بيع الأصول ذات الدخل الثابت منذ بداية العام نذيرا بما ستؤول إليه الأمور.
تمر الأسواق بتحول حيوي. ولأن الدعم الاستثنائي من البنوك المركزية كان محركا رئيسا للأسواق خلال الأشهر التسعة الماضية، فإن العوامل الاقتصادية الأساسية هي التي ستأخذ زمام المبادرة هذا العام. وإعادة تسعير سوق السندات تقع في صلب هذا التحول.
بدأت بالفعل عملية إعادة التسعير. تراجعت السندات الحكومية الأمريكية طويلة الأجل أكثر من 12 في المائة هذا العام وسط تقلبات متزايدة في أسواق الدخل الثابت. الحوافز المالية القوية في الولايات المتحدة تلقي بثقلها على سوق السندات.
في حين أن الارتفاع الحاد في العائدات يشير إلى إعادة التسعير غير المنتظمة، ينبغي أن نتذكر أن معظم الارتفاع جاء من إعادة تسعير استندت إلى توقعات النمو الأعلى. وهذا أمر جيد.
كما أنه من الصعب القول إن الأوضاع المالية الحالية متأزمة. بعد أخذ التضخم في الحسبان تظل عوائد السندات لأجل عشرة أعوام سلبية للغاية. الأصول الأكثر حساسية لتقلبات الرغبة في المخاطرة يبدو أنها، إجمالا، تأخذ تقلبات السندات في حسبانها. أداء ما يسمى أسهم القيمة ذات التقييمات المنخفضة كان جيدا، في حين كانت أسهم الشركات الصغيرة عند أعلى مستوياتها أو بالقرب منها.
حتى مؤشر فيكس، مقياس الخوف النهائي، الذي يقيس توقعات المستثمرين لتقلبات سوق الأسهم، لا يزال ضعيفا بشكل ملحوظ. يمكننا أيضا أن نتوقع تدخلا لفظيا من البنوك المركزية لتهدئة الأسواق في حال بدأت الأوضاع المالية تأخذ طابعا متشددا، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من التقلبات أثناء هذا التحول.
لكن هذا لا يقتصر فقط على بضعة أسابيع سيئة لحاملي السندات. تعد حركة الأسعار الأخيرة تذكيرا مناسبا بالتحديات التي تنتظر مستثمرين الدخل الثابت الأساسيين. مع دخول الاقتصاد العالمي دورة جديدة، تتراكم مخاطر جديدة. احتمال استمرار التحفيز المالي، وتزايد مخاطر التضخم، وتقلص الدعم من جانب البنك المركزي، تتحدى بشكل جماعي الملاذ الآمن الذي وفرته السندات الحكومية ذات مرة.
يتجه المستثمرون نحو تحقيق هذا. في استطلاع حديث شمل أكثر من 1500 من عملاء جيه بي مورجان لإدارة الأصول، كان أكثر من 60 في المائة من المشاركين إما يخفضون مخصصات السندات الحكومية في الأسواق المتقدمة وإما يستخدمون أدوات أكثر نشاطا للتعامل مع التقلبات. هناك عدة عوامل تلعب دورا هنا.
أولا، بداية العوائد على السندات الحكومية في الأسواق المتقدمة منخفضة. نتيجة لذلك، فإن مدى قدرتها على الانخفاض وتوفير الحماية في أوقات الإجهاد محدود.
علاوة على ذلك، مزيج السياسات آخذ في التغير. يتم استخدام السياسة المالية بشكل أكثر فاعلية لتحفيز النمو، وتعطي السياسة النقدية الأولوية لتوقعات ارتفاع متوسط معدل التضخم. هذا يفرض ضمنيا حدا أدنى لعوائد السندات.
باختصار، النمو الاقتصادي القوي الناجم عن حوافز غير مسبوقة أو عودة التضخم سيؤدي في النهاية إلى تراجع دعم السيولة من البنوك المركزية. ربما ينشغل المستثمرون اليوم بخطر أن الانتعاش الاقتصادي حاد للغاية، بدلا من كونه غير حاد بدرجة كافية. ذلك يشكل خوفا من أنه لم يتم التحوط منه بشكل جيد من خلال مخصصات كبيرة في السندات السيادية.
في الوقت الحالي، يبدو أن هناك احتمالا ضعيفا لتشديد حاد من جانب البنوك المركزية. لكن مع استمرار الأسواق حاليا في التسعير بما يتكيف بشكل كبير مع السياسات، حتى إعادة التقويم الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في أسواق السندات. إن مضاعفة الفجوة بين عوائد سندات الخزانة لأجل عامين وسندات عشرة أعوام في غضون أسابيع قليلة هي تذكير مناسب بمثل هذه الحساسية.
إذن، كيف يجب أن يتعامل المستثمرون مع هذه المخاطر الجديدة؟ التأكد من أن التعرض لرأس المال موجه نحو انتعاش دوري قوي أمر منطقي. يمكن للمستثمرين أيضا، مثلا، زيادة مخصصات الأصول المرتبطة بالتضخم والاستفادة من نمو أقوى. بالنسبة للمستثمرين القادرين على تحمل تكاليف عدم تسييل الأصول، فإن الأصول الحقيقية مثل البنية التحتية أو العقارات التي توفر تدفقات دخل معدلة حسب التضخم تعد جذابة.
شكل تقلب السوق في آذار (مارس) الماضي أول اختبار حقيقي لهذه الأصول في أوقات الشدة. الأصول التي لديها تعرض للاستثمار في الطاقة الخضراء والخدمات اللوجستية المرتبطة بالتكنولوجيا كانت لديها مرونة ملحوظة.
بالنظر إلى المستقبل، التوقعات الواردة في دراسة جيه بي مورجان مانجمنت السنوية حول العوائد طويلة الأجل عبر الأسواق تشير إلى أن العقارات الأساسية في الولايات المتحدة ستوفر عائدا يبلغ في المتوسط 5.9 في المائة لمدة تزيد على 10 ـ 15 عاما، وأكثر من 80 في المائة من ذلك العائد يتم توفيره من تدفقات دخل ثابتة وعالية الجودة. ومع وجود الرافعة المالية في الأصول العقارية مجرد جزء بسيط من المستويات التي شهدناها في الأزمة المالية، نتوقع أن ينجذب المستثمرون بشكل متزايد إلى دخلها المحتمل.
مع تحويل الأسواق تركيزها من دعم السياسات إلى الأساسيات الاقتصادية، لا تستطيع السندات الحكومية ببساطة توفير نوع الأمان الذي كانت توفره في السابق. نظرا للمخاطر التي تلوح في الأفق، ليس أمام المستثمرين خيار سوى تنويع مصادر الأمان في المحافظ الاستثمارية.

خبير استراتيجي في الأصول المتعددة العالمية في "جيه بي مورجان أسيت مانجمنت"

الأكثر قراءة