Author

فقاعة البيتكوين

|

البيتكوين عملة رقمية مشفرة توفر خصوصية عالية للمتعاملين بها. وتتم التبادلات بها من دون وسيط أو معرفة، حيث يكتفى بمعرفة رقم المحفظة الرقمية. أطلقت عملة البيتكوين منذ 12 عاما، وكانت قيمتها في البداية منخفضة جدا وتقل كثيرا عن الدولار. وارتفع سعرها مع مرور الوقت حتى تكونت فقاعة في 2017 متجاوزة 20 ألف دولار، ثم ما لبثت الفقاعة أن انفجرت في نهاية ذلك العام. مع بداية 2020 وصلت أسعارها إلى ثمانية آلاف دولار، لكنها تراجعت في آذار (مارس) الماضي إلى خمسة آلاف دولار. بعد ذلك بدأت مسيرة الصعود الحالية حتى تجاوز سعرها 20 ألف دولار في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ثم تخطت عتبة 50 ألف دولار هذا الشهر.
كسبت عملة البيتكوين شعبية خلال الأعوام الأخيرة بسبب خصائصها التقنية وتوفيرها درجة عالية من الخصوصية ومحدودية المعروض منها. وتسهم ندرة أي شيء في ارتفاع سعره، حيث لا تسمح تقنيتها بوجود أكثر من 21 مليون بيتكوين. يعتقد بصدور نحو 18.7 مليون وحدة حتى شباط (فبراير) 2021، ولم يتبق للاستخراج مستقبل سوى 2.3 مليون وحدة، يتم استخراجها من خلال عمليات تعدين إلكترونية تستخدم فيها خوارزميات وحواسيب كبيرة وبجهود متعددة الأطراف تتطلب كثيرا من الطاقة، كما تدعي بعض المصادر. كان تعدين البيتكوين سهلا في البداية، لكنه يزداد صعوبة مع مرور الزمن. وتتناقص الكميات المستخرجة منها إلى النصف كل أربعة أعوام، وستنتهي عمليات تعدينها في 2140.
عموما تتميز البيتكوين عن باقي العملات الرقمية بأنها الأكثر ندرة، فكمياتها قليلة، كما أن جزءا كبيرا منها خارج التداول. ويقدر بعض المصادر بأن أربعة ملايين بيتكوين ضاعت للأبد بسبب فقدان المحافظ الرقمية أو أرقامها السرية أو الأجهزة المحتوية لها. إضافة إلى ذلك، فإن البيتكوين ليست محصنة ضد السرقات الإلكترونية، حيث يقدر أن مئات الآلاف منها قد نهب، كما يزيد ميل بعض ملاكها الكبار لكنزها من ندرتها ما يخفض المتداول منها ويزيد مستويات اضطراب أسعارها. ويقدر بعض المصادر بأن كميات المتداول منها تقل عن نصف المستخرج. وتوجد رسوم لتبادل البيتكوين يحصل عليها المعدنون.
نظرا لكون التبادل يتم بشكل مباشر بين المتعاملين ومن دون وساطة البنوك المركزية أو التجارية فقد ارتفعت الثقة بها مع انتشار جائحة كورونا التي تسببت في تراجع الثقة بالمؤسسات المالية الرسمية والتجارية. وجاء ارتفاع الثقة لحاجة البعض إلى التعامل المباشر، وتجنب عيون الرقابة ما ييسر التبادلات غير الشرعية وغسل الأموال. كما جاء ارتفاع الثقة للمخاوف التي يبديها كثيرون من النظام المالي الرسمي، ورغبتهم في حفظ الثروة في أصول غير تقليدية. إضافة إلى ذلك، تلعب القوى المضاربية ورغبة كثيرين في تحقيق الربح السريع والفاحش دورا قويا في ارتفاع أسعارها الحالي.
لا تتمتع البيتكوين بالشرعية أو أي ضمانات أو دعم حكومي أو مؤسسي، كما لا تتمتع العملة الرقمية بأي حقوق للاستهلاك أو الاستثمار، ما يرفع مخاطر الاستثمار والتعامل بها. ويكتنف البيتكوين والمتعاملون بها كثير من الغموض بسبب نظام السرية الذي تتصف به. وتشير بعض المصادر إلى أنها غير مقبولة قانونيا في معظم دول العالم، ولا توجد إلا دولة واحدة تعترف بها رسميا.
شهدت أسعار عملة البيتكوين زيادات متسارعة في الآونة الأخيرة. ويرى كثيرون أن نمط الزيادات الأخيرة يدل على تضخم مبالغ في أسعارها، ما يرجح تكون فقاعة في تعاملاتها وقرب انفجارها. وعبر عديد من المؤسسات المالية، بما في ذلك وزيرة الخزانة الأمريكية، بتصريحات تشير إلى عدم رضا الجهات الرسمية عن تضخم أسعار هذه العملة، كما ترى الوزيرة، في أحدث تصريحاتها عن العملة، بأنها تستخدم للأعمال غير المشروعة. وتذكر مصادر مصرفية أن تجارة البيتكوين هي الأكثر اكتظاظا في الوقت الحالي، وأن وضع التبادلات في الوقت الحالي مشابه للوضع السابق لانفجار فقاعتها في 2017. وتشير بعض الاستطلاعات، إلى توقع كثير من المختصين الماليين تراجع البيتكوين إلى نصف قيمتها الحالية خلال الأشهر المقبلة، ويرى معظمهم أن الوضع الحالي للعملة هو حالة فقاعة.
يرى المؤيدون لاستخدام البيتكوين أن الارتفاع الأخير في قيمتها حقيقي ومدفوع بحاجة الأسواق إلى هذه العملة، وخصوصا بعد تصريحات بعض الشركات والمستثمرين والمديرين الماليين بقبول التعامل والاستثمار فيها. ويعتقد أن سياسات طباعة النقود الأخيرة والسيولة الكبيرة التي نتجت عنها غذت التدفقات المالية للاستثمار في الأصول المالية ومنها البيتكوين. في المقابل، يعتقد كثيرون أن الزيادات الأخيرة في قيمة البيتكوين عائدة إلى عدة عوامل، من بينها: السيولة الرخيصة، ودخول كثير من المستثمرين الصغار في مسيرة الزيادات القوية، وليس نتيجة لاستثمار المؤسسات الاستثمارية الكبيرة التي تتجنب الاستثمار في الأصول عالية الاضطراب كالبيتكوين. أما تغيرات أسعار العملة الأخيرة التي رفعتها بأكثر من الضعف خلال شهر، فيصعب استمرارها من الناحية المنطقية، وهي مرشحة أكثر من ذي قبل للانهيار المفاجئ. عموما، إن الأسواق المالية بوجه عام تشهد في الوقت الحالي فقاعة كبيرة، وتعد أسهم التقنية كسهم "تسلا" وكذلك البيتكوين أشدها، ومن المحتمل انفجار هذه الفقاعة قريبا.

إنشرها