Author

تطور الحكومة الإلكترونية يحفز الاستثمار

|

سرعت جائحة كورونا من التحول الإلكتروني للخدمات الحكومية عبر العالم، وكما يقال رب ضارة نافعة. وأجبر الإغلاق العظيم الذي نتج عن الجائحة حكومات العالم والقطاع الخاص على الاعتماد المتزايد على المنصات الإلكترونية للاستمرار في أداء مهامها وأنشطتها وجمع إيراداتها، ما ولد ضغوطا هائلة ومفاجئة على شبكات الإنترنت والبنية الأساسية الإلكترونية للدول وأظهر عيوبها عبر العالم، وكذلك ضرورة تطويرها وتحديثها والاهتمام ببنيتها الأساسية. في المقابل، أبرز الاعتماد المتزايد على الخدمات الحكومية الإلكترونية مزاياها ودورها في زيادة كفاءة القطاعات الحكومية والخاصة وحياة الأفراد والأسر. ويدعم تحسن الكفاءة إنتاجية القطاعات الاقتصادية ويخفف الضغوط على المرافق العامة، ما يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي ويعظم الرفاهية الاجتماعية.
لا يخفى على أحد منافع الحكومة الإلكترونية، فهي تمكن منتفعيها في القطاعين الأسري والخاص من الحصول على الخدمات الحكومية في أي وقت وأي مكان حول العالم، وهذه ميزة لا تتوافر إلا من خلال الخدمات الإلكترونية. ونتيجة لذلك تنخفض تكاليف الحصول على الخدمات الحكومية ويتيسر تقديمها، كما يختصر وقت الحصول عليها. في المقابل، تيسر وتسرع الخدمات الحكومية الإلكترونية عمليات سداد الإيرادات الحكومية، كما تقلل ضغوط مراجعي الإدارات الحكومية وضغوط الأعمال على موظفيها والأخطاء البشرية، لقيام الأنظمة بإنجاز المهام الروتينية آليا وبشكل أسرع وأدق من البشر.
تتعدد منافع الحكومة الإلكترونية بالنسبة للحكومات والمستفيدين منها، فهي توفر التكاليف والوقت والجهد لجانبي الخدمات. وصدرت أخيرا دراسة عن صندوق النقد الدولي تحاول إيجاد العلاقة بين الحكومة الإلكترونية وتدفق الاستثمارات الأجنبية. وتشير نتائج الدراسة إلى أن تطور الحكومة الإلكترونية والبنية الأساسية لتقنيات الاتصال والمعلومات يرفع جاذبية الدول لتدفق الاستثمارات الأجنبية. وكلما تحسنت الخدمات الحكومية وقويت الدول في تقنيات الاتصال والمعلومات زادت قدراتها على جذب الاستثمارات الأجنبية.
يوفر تطور الخدمات الحكومية الإلكترونية واستخدام أحدث تقنيات الاتصال والمعلومات وأسرعها كثيرا من الجهد والمال على المستثمرين، رافعا معدل العائد على الاستثمار. ويتطلب تطور الخدمات الحكومية الإلكترونية وتوفيرها بشكل سلس وفعال، وضوح الأنظمة الحكومية وشفافيتها وتسهيلها لأقصى درجة ممكنة، وهذا بدوره يجلب الإصلاحات للأنظمة العامة ويخفف عن المستثمرين المحلي والأجنبي أعباء البيروقراطية الحكومية. ويغفل كثيرون عن نقطة مهمة وفائدة أساسية يجلبها تطور الحكومة الإلكترونية ألا وهي الحد من أنشطة وممارسات الفساد في الأجهزة العامة، حيث تحد من استغلال الفاسدين للأنظمة ما ييسر على المستثمرين والمراجعين ويخفض تكاليف الاستثمار ويحد من المعوقات التي يصطنعها الفاسدون لابتزاز المستثمرين والمراجعين.
تظهر تجارب كثير من الدول مع الحكومة الإلكترونية مدى التحسن وتوفير الوقت والكفاءة الذي أسهمت فيه. وكان كثير من الإدارات الحكومية في المملكة يزدحم بالمراجعين الذين يتكبدون مشاق الذهاب إلى الإدارات الحكومية في أوقات محددة ويعبئون نماذج متعددة بشكل يدوي وينتظرون أحيانا في طوابير طويلة للحصول على خدمة ما. أما الآن، فقد اختفى الزحام في كثير من المنشآت الحكومية، وتقلص وقت الحصول على خدماتها إلى دقائق محدودة. طبعا هناك دول متميزة جدا في هذا المجال، كسنغافورة أو كوريا الجنوبية أو الدنمارك. ويذكر بعض المصادر أن الحصول على ترخيص تصدير أو استيراد في دولة مثل سنغافورة كان يستغرق ما يقارب 20 يوما، ويتطلب تعبئة أكثر من 20 نموذجا، ومراجعة عدد مماثل من الإدارات قبل ثلاثة عقود، أما الآن، فيمكن الحصول على ترخيص استيراد وتصدير من منصة واحدة وخلال 15 ثانية.
يساعد تطور الحكومة الإلكترونية على نشر الخدمات الحكومية وزيادة وصول الشرائح السكانية الأقل دخلا والأكثر احتياجا إليها. ويمكّن توافر الحكومة الإلكترونية الكفؤة، الفقراء والأكثر احتياجا، من الحصول على الدعم والمساندة والخدمات الحكومية بتكاليف أقل. ويمكن استخدام الحكومة الإلكترونية في توفير ونشر شبكات الحماية الاجتماعية بشكل أفضل وأيسر من السابق، وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة الإلكترونية تدعم قدرات الإدارات العامة في زيادة استهداف الشرائح الأكثر احتياجا.
يعطي تطور الحكومة الالكترونية لأي مستثمر خارجي صورة عن تطور الخدمات الحكومية وتطور الدول. فأسلوب إجراءات الحصول على التراخيص ومتطلباتها والمعلومات التي توفرها الإدارات عن بعد تظهر للمستثمر الأجنبي مستوى البيروقراطية وأسلوب تفكير المسؤولين والمعوقات الممكنة، كما يمكن أن توفر صورة عملية للمستوى التقني للبنية الأساسية للاتصالات والمعلومات في الدول. تأتي معظم الاستثمارات الأجنبية من دول متقدمة في تقنيات الاتصالات والمعلومات، ولهذا يهتم المستثمرون الأجانب بأحوال البنية الأساسية التقنية في استثماراتهم الخارجية. وعموما ينظر المستثمر الأجنبي، والأهم المستثمر المحلي، إلى عوامل متعددة في قرارات الاستثمار، لكن تطور الحكومة الإلكترونية والبنية الأساسية للمعلومات والاتصالات عامل جذب وتحفيز للاستثمار لما يوفره من وقت وتكاليف وجهد وداعم للشفافية والحد من الفساد، وهو ما يخفض تكاليف القيام بالأعمال ويرفع عوائد الاستثمار.

إنشرها