التعاون عامل للحد من التباين في مسارات التعافي «2 من 2»
حول استمرار أجواء عدم اليقين الكثيفة، فإنه لا تزال المخاطر مرتفعة في المنطقة. فتجدد الإصابات بالعدوى قد يؤخر تحقيق التعافي في حالة عدم توافر اللقاحات والحيز المتاح من السياسات الاقصادية. وقد تتسبب تحورات الفيروس الأخيرة في إحداث مزيد من التحديات. فازدياد احتياجات الإنفاق قد يتسبب في تفاقم المخاوف بشأن استمرارية القدرة على تحمل الدين في عديد من الدول، خاصة في حالة حدوث زيادة حادة في علاوات المخاطر العالمية أو ارتفاع أعلى من المتوقع في أسعار الفائدة العالمية ينتج عنهما تشديد أوضاع التمويل وازدياد مخاطر تمديد الديون. وأخيرا، قد يتسبب التأخر في توزيع اللقاحات أو سوء إدارته، إلى جانب ازدياد مواطن الخطر، في إشعال القلاقل الاجتماعية مجددا. وبشأن ضيق حيز السياسات، فبينما تبعث اللقاحات بارقة أمل فإن المسار سيكون طويلا ومتعرجا. وعلى المدى القصير، ستظل الأولوية الرئيسة هي ضمان توافر الموارد الكافية لنظم الرعاية الصحية، بما في ذلك تمويل عمليات شراء وتوزيع اللقاحات إلى جانب مواصلة الاستثمار في الفحوص والعلاجات ومعدات الوقاية الشخصية. وستظل صحة الناس ركيزة حيوية يقوم عليها التعافي الاقتصادي.
وسيظل تحقيق التوازن بين دعم التعافي والإبقاء على الديون في حدود يمكن الاستمرار في تحملها، مطلبا صعبا بالنسبة للمنطقة، نظرا لضيق الحيز المتاح من المالية العامة "فقد تدهورت أرصدة المالية العامة في ثلث دول المنطقة خلال عام 2020 بأكثر من خمس نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي" وضرورة استئناف إجراءات الضبط المالي في عديد من الدول عام 2021.
وإذا تسببت حالات تجدد العدوى في تهديد التعافي، فبإمكان الدول التي تتمتع بحيز معقول للتصرف من المالية العامة مثل كازاخستان وقطر، أن تعزز الدعم المؤقت الذي تتيحه لحين توافر اللقاح على نطاق واسع، وذلك من خلال توفير الإمدادات الحيوية للأسر المعرضة للخطر والشركات التي تتمتع بمقومات البقاء. أما الدول التي تعاني ضيق الحيز المالي أو انعدامه، وبلغت نسبة ديونها إلى إجمالي الناتج المحلي في المتوسط 72 في المائة عام 2020 "بزيادة قدرها 11 نقطة مئوية"، فينبغي أن تحافظ على مستوى نفقاتها أو تعيد تخصيصها لتلك السياسات الموجهة التي ستحقق الأثر الاجتماعي والاقتصاد الأكبر، مثل الإنفاق ذي الأولوية على الصحة العامة، والاستثمار في الشباب، ورفع مهارات القوى العاملة. ومع ضيق الحيز المالي، ورغبة في دعم الطلب، ينبغي أن تظل السياسة النقدية تيسيرية ما لم يكن التضخم واستمرارية المركز الخارجي معرضين للخطر. وفي الدول ذات العملات المرنة، ينبغي مواصلة استخدام سعر الصرف كهامش وقائي حسب الحاجة.
إذا كان التعاون عاملا أساسيا للحد من التباين، فإن التعاون الدولي والإقليمي سيكون عاملا أساسيا في عالم يواجه تعافيا اقتصاديا غير متوازن فيه من يملكون اللقاح ومن لا يملكونه. وسيضمن تعزيز الشفافية بشأن عقود اللقاحات إمكانية الحصول عليها على نحو متكافئ. ومن الضروري ضمان عدالة توفير اللقاحات للدول الأفقر، التي تعاني أوضاع الهشاشة والصراع، فضلا عن ضرورة تعزيز التمويل لآلية "كوفاكس". ومن شأن التنسيق على المستوى الإقليمي أن يسهل إعادة توزيع اللقاحات الزائدة ممن تمكنوا من تأمين فائض منها "بما في ذلك من خلال طاقة الإنتاج المحلي" إلى من لا يملكون الإمدادات الكافية. وينبغي إعطاء الأولوية للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات للحيلولة دون وقوع مآس إنسانية أخرى.
وفي هذا الصدد، يقف صندوق النقد الدولي الذي قدم تمويلا ضخما للمنطقة في العام الماضي 17,3 مليار دولار، على أهبة الاستعداد لمواصلة مساعدة الدول على التصدي للأزمة والتحول نحو التعافي من خلال تقديم التمويل والمساعدة الفنية والمشورة بشأن السياسات.
وحول تسريع وتيرة التعافي فإنه بينما لا يزال هناك كثير مما ينبغي عمله للتصدي لهذه الأزمة الآنية، فلا بد للمنطقة أيضا أن تتحرك بسرعة وبالتوازي بغية تحقيق تعاف اقتصادي لما بعد الجائحة يتسم بالصلابة والاستقرار ويكون أكثر احتواء للجميع. ويتطلب ذلك معالجة تأثير الأزمة غير المتوازن في سوق العمل وكبح تصاعد عدم المساواة فيه، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والتصدي لموروثات الأزمة، ولا سيما فرط المديونية، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة وتقليص بصمة الدولة في الاقتصاد، ومكافحة الفساد. ولتسريع وتيرة التعافي وتجنب مغبة الدخول في عقد ضائع، ينبغي البدء بالعمل الآن في تنفيذ الاستثمارات عالية الجودة في مشاريع البنية التحتية الخضراء والتحول الرقمي.