Author

انتعاش أسعار النفط

|

عانت أسعار النفط الآثار الكارثية لأزمة جائحة كورونا التي عصفت بالعالم منذ بداية العام الماضي، وما زالت آثارها ممتدة حتى الوقت الحالي. وأدى الإغلاق العظيم - الناتج عن الجائحة - إلى هبوط الطلب العالمي النفطي بحدة في النصف الأول من 2020، ما هوى بأسعار النفط. وسجل خام برنت أسعارا تقل عن عشرة دولارات للبرميل في الـ21 من نيسان (أبريل) المنصرم، وتراجعت أسعار خام غرب تكساس الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة مسجلة مستويات سلبية، ما بث التشاؤم بالأسواق النفطية. وتمر كل عدة أعوام بأوقات عصيبة على صناعة النفط تتراجع فيها الأسعار إلى مستويات متدنية، كما تمر عليها فترات تشهد ارتفاعات قياسية وغير منطقية لكثير من الناس. وتقود هذه التقلبات الحادة إلى بث روح اليأس في أرجاء الصناعة أو إلى المبالغة في تطلعات الأسعار، ما يتسبب في إحداث كبوة أخرى في الأسعار بعد عدة أعوام.
تدفع الانخفاضات الحادة المنتجين، وعلى رأسهم أعضاء "أوبك"، إلى تبني سياسات الحد من العرض للتخلص من فوائض الأسواق النفطية. وتبنت "أوبك" والدول المتعاونة معها العام الماضي، أكبر تخفيضات إنتاج في تاريخها. أسهمت تلك التخفيضات في إعادة شيء من التوازن إلى الأسواق النفطية، لكنها لم تكن كافية لمقابلة التراجع الحاد والمفاجئ في الاستهلاك العالمي الذي نتجت عنه تخمة غير مسبوقة في الإمدادات النفطية العالمية.
تلخص تغيرات المخزونات النفطية العالمية أوضاع الاستهلاك والإنتاج العالمي. وأدت فوائض الإنتاج على الاستهلاك في بداية الأزمة، إلى رفع حجم المخزونات النفطية العالمية، التي يظهر معظمها في بيانات أعضاء منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية. بلغ إجمالي مخزونات أعضاء المنظمة في شباط (فبراير) 2020 نحو 4410 ملايين برميل، ثم ارتفع تدريجيا حتى وصل إلى 4784 مليون برميل في تموز (يوليو) 2020. جاءت هذه الزيادة نتيجة لفوائض الإنتاج العالمي بأكثر من مليوني برميل يوميا على الاستهلاك، وذلك خلال فترة الأشهر الخمسة الممتدة بين شباط (فبراير) وتموز (يوليو) 2020. بعد ذلك بدأت الاحتياطيات النفطية لأعضاء المنظمة بالتراجع حتى وصلت إلى نحو 4672 برميل في تشرين الأول (أكتوبر) 2020.
تشكل احتياطيات الولايات المتحدة أكبر جزء من احتياطيات دول المجموعة. وتترقب الأسواق النفطية بيانات المخزونات النفطية الأمريكية التي تصدر وتحدث أسبوعيا وتتصف بالدقة والمصداقية إلى حد كبير، ما يعطيها درجة عالية من ثقة الأسواق. وصلت الاحتياطيات النفطية الأمريكية من الخام والمنتجات أعلى مستوياتها في الأسبوع الثالث من تموز (يوليو) 2020 حينما بلغت 2117 مليون برميل. بعد ذلك بدأت بالتراجع التدريجي حتى انخفضت إلى نحو 1963 مليون برميل قبل أسبوعين، وهي أحدث بيانات متوافرة عن المخزونات في أي مكان.
تراجع سعر سلة نفوط "أوبك" المرجعي في 2020 ككل، إلى 41.47 دولار للبرميل بعدما كان 64.04 دولار في العام السابق، منخفضا بنسبة 25.2 في المائة. وعلى الرغم من التراجع للعام ككل إلا أن نهاية العام الماضي شهدت تحسنا ملحوظا لأسعار النفط، حيث بلغ متوسط سعر البرميل الشهري لسلة نفوط "أوبك" 49 دولارا في كانون الأول (ديسمبر) 2020. وواصلت أسعار النفط تحسنها في العام الحالي حيث بلغ سعر برميل سلة "أوبك" 54.38 دولار في كانون الثاني (يناير) 2021، كما تجاوزت 60 دولارا للبرميل هذا الأسبوع. وسجلت أسعار النفط المستقبلية لثلاثة أشهر أخيرا مكاسب مقاربة لمكاسب الأسعار الفورية وخامات تسليم الشهر المقبل. أما الأسعار المستقبلية لـ12 عشر شهرا، فما زالت أقل من أسعار تسليم الشهر المقبل، وهذا يشير إلى أن الأسواق لا تتوقع زيادات أسعار حادة، وأنها ستظل مستقرة للفترة المقبلة وبحدود الأسعار الحالية.
جاء تحسن أسعار النفط أخيرا نتيجة للتطورات الإيجابية في مجالي الإمدادات النفطية والطلب العالمي. ففي جانب الإمدادات شهدت الأسواق التزاما بحصص الإنتاج من جانب أعضاء "أوبك" والدول المتعاونة معها. أبرز المنافسين لنفوط "أوبك"، وهو النفط الأمريكي، فقد ارتفع إنتاجه هذه الأيام بنحو مليون برميل مقارنة بشباط (فبراير) الماضي، وتقل هذه المستويات عن المستويات السابقة للأزمة بنحو مليوني برميل. ورغم الزيادة التي حققها الإنتاج الأمريكي منذ بداية الأزمة، فإنها لم ترفع الاحتياطيات النفطية الأمريكية خلال الأشهر الستة الماضية، ما يعني أن الاستهلاك الأمريكي نما بمعدلات تفوق زيادة الإنتاج، وأسهم بالتالي في دعم الأسعار العالمية. أما في جانب الطلب، فقد رفع النمو الاقتصادي الأكثر من المتوقع في عدد من الدول الكبرى خلال النصف الثاني من العام الماضي، الاستهلاك العالمي، لكن ما زال الاستهلاك العالمي تحت مستوياته التاريخية في 2019. وتشير تقديرات "أوبك" إلى تراجع متوسط الاستهلاك العالمي النفطي في 2020 بنحو 9.8 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام السابق. ويتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي خلال هذا العام نحو ستة ملايين برميل، لكنه سيظل تحت مستويات 2019 بنحو أربعة ملايين برميل يوميا. وتبدي أسعار النفط حساسية كبيرة تجاه التطورات المستقبلية، وجاء تحسن التطلعات الاقتصادية العالمية كعامل إيجابي داعم لأسعار النفط هذا العام، ما سيعوض بعض الخسائر التي عاناها النفط العام الماضي.

إنشرها