سلاسل توريد الغذاء .. هشاشة وتقلبات  

 
رغم أن جائحة كورونا تمثل أزمة صحية في المقام الأول نتجت عنها أزمة اقتصادية على مستوى دول العالم، وتعرضت حركة ومؤشرات النمو إلى التراجع الحاد والمخيف بسبب توقف نشاطات القطاعات التجارية كافة، لكنْ لهذه الأزمات جذور في قضايا البيئة والاحتباس الحراري والتغيرات المناخية. فمنذ بدايات هذا القرن والعالم يشهد تحولات لمجموعة واسعة من الفيروسات التي كانت تصيب الحيوانات فقط وأصبحت الآن أكثر انتشارا بين البشر، والكثير يرى أن هذه التحولات تعود إلى قضايا البيئة، ولهذا فإن الأمور تبدو مترابطة بشكل مثير للدهشة، فقد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، أن أسعار الأغذية ارتفعت للشهر الثامن على التوالي إذ بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء 113.3 نقطة في كانون الثاني (يناير)، أي بزيادة نسبتها 4.3 في المائة على ما كان عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2020 ليصل إلى أعلى مستوى له منذ تموز (يوليو) 2014. 

ومن الملاحظ أن هذه الارتفاعات القياسية جاءت في فترة انتشار فيروس كورونا المستجد، فارتفاع أسعار الغذاء يأتي بسبب تقلص الإمدادات العالمية بشكل متزايد وسط المشتريات الكبيرة من جانب الصين، وتقديرات الإنتاج والمخزون الأدنى من المتوقع في الولايات المتحدة، والتعليق المؤقت لتسجيل صادرات الذرة في الأرجنتين، فالتكهنات التي تقلق العالم بشأن سلاسل الإمداد وأنها قد تتأثر بسبب المرض أصبحت اليوم واقعا ملموسا ولم تعد مجرد تكهنات، وقد سجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب زيادة شهرية حادة 7.1 في المائة مدفوعة بالأسعار الدولية للذرة التي ارتفعت 11.2 في المائة لتصبح الآن أعلى من مستواها في كانون الثاني (يناير) 2020، 42.3 في المائة. وكما أشرنا من قبل فإن الارتباط بين القضايا البيئية وانتشار الفيروسات وتقلبات المناخ تجد أثره جميعا في إنتاج الغذاء العالمي، وهذا يظهر بجلاء حيث تسبب تقلبات الإنتاج في إندونيسيا وماليزيا بسبب هطول الأمطار الغزيرة ارتفاع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية 5.8 في المائة خلال الشهر ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أيار (مايو) 2012.

وبسبب أحوال الطقس الجاف أكثر من المعتاد في أمريكا الجنوبية فإن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر قد ارتفع 8.1 نتيجة تراجع التوقعات بشأن نقص المحاصيل. من جانب آخر، ارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الدواجن 1.0 في المائة بسبب تفشي إنفلونزا الطيور التي قيدت الإنتاج والصادرات من عدة دول أوروبية. وهكذا تبدو الحالة الراهنة لإنتاج الغذاء في العالم، فالإنتاج تناقص بسبب موجة حادة من نقص الأيدي العاملة وسط انتشار لفيروس كورونا وفيروس إنفلونزا الطيور، وهذا التناقص يقود إلى مشكلة كبيرة في سلاسل التوريد، ما يعوق مجالات صناعة الغذاء كافة المرتبطة بالإنتاج الزراعي، وهذا يقود إلى موجة من ارتفاع الأسعار المتزامنة.

 كما أن اتساع رقعة التقلبات الجوية ما بين دول تعاني الأمطار الغزيرة التي تعوق الزراعة والعمال، وموجات جفاف وارتفاع في درجات الحرارة، ولهذا فإن الحقيقة الماثلة أمام العالم اليوم هي تناقص الغذاء لعدة أسباب غير مرتبطة، ولكنها ذات تأثير مترابط ومضاعف في وقت يحتاج فيه كثير من الدول إلى دعم ومعونات، وهذا بدوره قد يفاقم الأزمات الاجتماعية ويوجد توترات سياسية في الدول التي تواجه صعوبات في التموين العام، وهي من التقلبات التي يحذر منها صندوق النقد الدولي. ومن المؤكد أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى تعاون واسع النطاق تقوده المؤسسات الدولية من أجل سرعة توزيع اللقاحات ووصولها إلى الدول كافة، وذلك حتى تعود الحياة إلى وضعها الطبيعي بشكل عاجل، كما يجب العمل بشكل أكثر صرامة بشأن القضايا البيئية، وابتكار أساليب جديدة تعين الدول على مواجهة تقلبات الطقس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي