أزمة تلو أزمة وسياسات عكسية 

 
يواجه الاقتصاد التركي مزيدا من الضغوط، بسبب الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا عليه وعلى العالم بشكل عام وأيضا بسبب السياسات الخاطئة التي تمارس على أعلى مستوى في الدولة التركية. وهذه الضغوط تضاعفت على الاقتصاد التركي، لأنه كان يعاني أزمات مختلفة حتى قبل انفجار فيروس كورونا، ولا سيما التراجع المستمر لسعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار، ما أدى إلى خروج نسبة من الاستثمارات الأجنبية من البلاد، وارتفاع مستوى التضخم فيها. ففي الشهر الأول من هذا العام وصل التضخم إلى 14.97 في المائة، وهي نسبة عالية للغاية منذ عدة عقود، كذلك لا تزال هناك خلافات في الرؤى حيال التعاطي مع أزمات الاقتصاد التركي بين المسؤولين الأتراك أنفسهم، الأمر الذي أدى إلى استقالات قدمها عدد من المسؤولين في الآونة الأخيرة، بمن فيهم مقربون من الرئيس رجب طيب أردوغان. إضافة إلى التضخم وتراجع سعر الليرة، هناك ارتفاع لا يتوقف على صعيد البطالة، وزاد هذا الارتفاع حدة في أعقاب تفشي كورونا. لكن المحور الأهم أيضا في الأزمة التي يشهدها الاقتصاد التركي، هو العجز التجاري وهو يقع في صلب الأزمة الاقتصادية التركية. وهذا الميدان يشكل القاعدة الرئيسة لهذا الاقتصاد منذ أعوام طويلة، خصوصا بعدما حظيت تركيا في العقدين الماضيين، بمعاملات تجارية خاصة من عدد من الجهات الدولية في مقدمتها الاتحاد الأوروبي. حتى في ظل الخلافات السياسية بين أنقرة والمفوضية الأوروبية، بقيت الامتيازات التجارية التي تتمتع بها تركيا حاضرة على الساحة، وهذه الامتيازات وفرت للأتراك فرص عمل كبيرة في السابق، وبدا هذا واضحا من وقوف معدلات البطالة سابقا عند حدود دنيا. أضف إلى ذلك ارتفاع التدفقات الاستثمارية. في الشهر الأخير من العام الماضي ارتفع عجز التجارة الخارجية لتركيا 16 في المائة، إلى 4.53 مليار دولار، وبلغ العجز في العام الماضي ككل 50 مليار دولار، بارتفاع بلغ أكثر من 69 في المائة، فالصادرات التركية تتراجع لتنخفض في الشهر الماضي 6.3 في المائة، بينما ارتفعت الواردات 4.3 في المائة. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن الآثار التي تركتها الجائحة أسهمت بصورة أساسية في تراجع الصادرات التركية، لكن مرة أخرى هناك مشكلات سابقة على صعيد رسم السياسة الاقتصادية للبلاد عززت أزمة الصادرات ورفعت بالتالي مستوى العجز التجاري. وهناك قيود أكبر على بعض القطاعات الإنتاجية، وأقل في بعضها الآخر، إلا أن العجز في النهاية وصل إلى مستوى مرتفع بالفعل، ويعطي مؤشرات سلبية في مجال التعافي المأمول لهذا الاقتصاد في المرحلة المقبلة. وهنا نلاحظ أن الضبابية التي تلف ميدان الاستثمار في تركيا في الفترة المقبلة، تجعل الأمور أصعب في مسيرة الخروج من الركود الاقتصادي الراهن، وتنشيط حركة الصادرات ورفع مستوى أداء التجارة الخارجية بشكل عام. فالركود الذي يشهده الاقتصاد التركي حاليا، بدأ في الواقع في النصف الثاني من عام 2018، ومع ضربات الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا تعمق هذا الركود، ما يشير إلى أن مدة التعافي لن تكون قصيرة على الساحة التركية، خصوصا في ظل استمرار الخلافات السياسية داخليا حيال الاقتصاد وغيره من المسائل الأخرى. ولا يمكن لتركيا أن تستهين بارتفاع عجز التجارة الخارجية، ففي العقدين الماضيين، راهنت على هذا القطاع من أجل بناء اقتصاد أكثر انفتاحا وحرية، وهو القطاع الذي يوفر أكبر نسبة من فرص العمل محليا، فضلا عن أنه يجلب للبلاد العملات الصعبة التي تحتاج إليها خصوصا في أوقات الأزمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي