أرشيف تصميم الغلاف العربي .. شغف يحفظ ذاكرتنا الجماعية

أرشيف تصميم الغلاف العربي .. شغف يحفظ ذاكرتنا الجماعية
أرشيف تصميم الغلاف العربي .. شغف يحفظ ذاكرتنا الجماعية
أرشيف تصميم الغلاف العربي .. شغف يحفظ ذاكرتنا الجماعية

لطالما كان غلاف الكتب مبعث غواية للقارئ، والورقة الفنية المبدعة التي بذل فيها الفنان عصارة أفكاره، لتستقر أخيرا في ملايين المكتبات الخاصة، شكلت وعينا وسلوكياتنا ومعرفتنا، وحتى ذاكرتنا الجماعية.
ومن أجل هذه الذاكرة، أطلق محمود الحسيني الباحث والمصمم المصري مشروعا طموحا غير ربحي، لأرشفة أغلفة الكتب العربية، يظهر من خلاله مدى التطور في تصاميم الكتب العربية، وتاريخها، ويعيد إلينا بمشروعه الثري حنينا مختبئا في تفاصيل الأغلفة، التي غيرت مسار المحتوى العربي وأثرت في قرائه.

شغف بالبحث عن الذهبيات

يهدف الحسيني من وراء مبادرته - التي بدأت بشغف شخصي - إلى تصوير الأغلفة، وإعداد مكتبة رقمية لها، تستند إلى البيانات الوافية حول اسم الكتاب، المؤلف، الناشر، مكانه، عام الإصدار، ومصمم الغلاف، لتسهيل عمليات البحث الإلكترونية، وإقامة معارض للكتب الأصلية وصورها، وتوضيح ما خضعت له من ترميم، فضلا عن مشاركة الثقافة العربية وتاريخنا، كما تصوره أغلفة الكتب.
لإيمانه بأهمية المشروع وشغفه به، ترك الحسيني وظيفته، وتفرغ لهذا المشروع الفني، بعد أن كان يتجول في المكتبات ومنافذ البيع القديمة يلتقط الأغلفة هنا وهناك، ويأخذ عبر جهاز الماسح الضوئي صورة للأغلفة التي تصادفه خلال جولة نهاية الأسبوع التي يجريها، ليكون أرشيفا عربيا، وليس خاصا بمصر وحدها.
تساعد الحسيني في مشروعه مجموعة من الباحثين في عدد من الدول العربية، مثل فلسطين ولبنان والمغرب، إضافة إلى مصر، ومساهمون من دول العالم كافة، يزودون المشروع بالأغلفة المميزة، وتلك التراثية التي تصنف من النوادر والذهبيات، لكنه لا يعتمد إطلاقا في مشروعه على الأغلفة المتوافرة على محركات البحث على الإنترنت، كونها لا تلائم الجودة التي يبحثون عنها، ولا توفر لهم جميع المعلومات التي يبحثون عنها.
ويركز الباحثون في مشروعهم بشكل أساسي على الكتب الصادرة في فترة الثلاثينيات حتى التسعينيات من القرن الـ20، وهي الفترة التي شهدت ذروة تميز التصاميم، ولا سيما الأربعينيات، في حين لم يسجل عقد الثلاثينيات كثيرا من فنون التصميم في أغلفة الكتب.

متعة مشاهدة ما هو قديم

الباحث الشاب البالغ من العمر 32 عاما، يرى أن مشروعه يعيد الاهتمام إلى تاريخ تصميم أغلفة الكتب في العالم العربي، التي تخدم رسالة الكتاب، وبدأ مشواره لأرشفة أغلفة الكتب العربية بكتبه الشخصية، ثم انطلق إلى كتب المعارف والأصدقاء، وأخيرا كتب المؤسسات المعرفية الكبيرة وما تحتضنه من مخازن وأرشيف.
دائما ما يؤكد الحسيني في أحاديثه ومقابلاته الصحافية أنه يستمتع بمشاهدة الأغلفة القديمة أكثر من نظيرتها الحديثة، ولا سيما أن طريقة التصميم العربية تختلف عن طرق تصميم الغرب لأغلفة كتبهم، مستندا في مشروعه إلى خبرته وما اكتسبه من دراسته الماجستير في تصميم الاتصالات الجرافيكية من جامعة لندن للفنون.

تعكس أحوال المجتمع

في وقت قصير، تمكن الباحثون من جمع أكثر من 3500 غلاف، ولفت مؤسس المشروع إلى أن هذه الأغلفة تعكس أحوال المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال التطور الذي كانت تشهده الأغلفة كل عقد من الزمان.
ولا تكتفي المبادرة بهذا الهدف، إنما تتجاوزه إلى أهداف أخرى، منها التأريخ والأرشفة والتوثيق للأغلفة العربية، إذ يفتقر العالم العربي إلى هذا النوع من المشاريع النوعية، إضافة إلى قراءة ما بين السطور، والتعرف على تطور تاريخ التصميم ومراحله، وأهم الألوان والأشكال والرموز والخطوط التي سيطرت على التصميم في كل عقد أن فترة زمنية، موفرا بيانات غزيرة للباحثين والأكاديميين.
وحول الكتب القديمة المتضررة والمهترئة، يجري الحسيني عملية ترميم لهذه الكتب، لتصل إلى شكلها الأصلي والحقيقي حينما صدرت للمرة الأولى.
يقول الفنان محمود الحسيني في قراءته للأغلفة، "إنها تطورت بشكل جوهري في أربعينيات القرن الماضي، وهذا التحول شمل إبراز الخط العربي والزخارف، في حين اعتمد مؤلفون على الألوان الزاهية، التي تلفت نظر القارئ، خصوصا لدى جمهور القصص، وشهدت حقبة الأربعينيات أيضا سيطرة للروايات البوليسية في مصر، التي تستحضر أسلوب الأسود والظلال، في دلالة على الغموض، حيث يلخص الغلاف ما في داخل الكتاب من أفكار وتاريخ ومعرفة، ونستلهم منها الثقافة السائدة في تلك الأيام".
وبرز خلال هذه الحقبة الزمنية فنانون تشكيليون ورسامون أبدعوا في تصميم الأغلفة، مثل محيي الدين اللباد، وحلمي التوني، وجمال قطب، الذي أبدع في رسم أغلفة روايات نجيب محفوظ، ونذير نبعة، وضياء العزاوي، وإميل منعم، ويوسف عبدلكي وآخرين ممن تركوا بصمتهم في الأغلفة، وأسهموا في رفع مبيعات الكتب واستقطاب القارئ لاقتنائها.
أما الكتب الحديثة الصادرة خلال الـ20 عاما الماضية، فاستفاد فيها المصممون والفنانون العرب من أساليب التصميم الغربية، التي اعتمدت على التقنيات والحواسيب التي توظف الصورة الفوتوغرافية والخطوط المعدة مسبقا، بحسب ما أوحت به مبادرة أرشفة أغلفة الكتب، التي تعمل تحت مظلة مشروع مستودع التصميم، بدعم من مؤسسة برو هالفيتيا القاهرة ،التابعة لمجلس الفن السويسري.

الوصول إلى 5 آلاف غلاف

يقدم مشروع أرشفة أغلفة الكتب توثيقا لأغلفة نادرة، بعضها حصل عليها عبر التواصل مع أسرة المصمم والفنان، مثل أغلفة محيي الدين اللباد الفنان التشكيلي المصري، ورسامين وفنانين آخرين، منهم من اعتمد على الألوان الزيتية، أو الخط العربي، أو الفن التشكيلي ورؤيته الفنية لمحتوى الكتاب، مستدركا الحسيني "أنه وفريقه يوفرون صورة الغلاف فقط، بعيدا عن أي استخدام تجاري أو إعادة طبع ونشر، التي تتطلب التواصل مع المصمم والناشر نفسه".
حينما يُسأل مؤسس المبادرة عن تطلعاته المستقبلية؟ يجيب بأنه "يطمح إلى توفير أغلفة هذه الكتب بطريقة سهلة للباحثين، من خلال أرشيف رقمي متاح بشكل مجاني، وإن كان قد وفره بشكل مبدئي عبر حساب "أرشيف تصميم الغلاف العربي" على منصة "انستجرام"، بدءا من شهر فبراير الماضي، إلا أنه يستهدف في المرحلة الأولى إتاحة خمسة آلاف غلاف عبر موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، يعتزم إطلاقه في العام 2021".
وكان بيان صحافي قد صدر عن المبادرة بداية العام الحالي، أكد أهمية هذه الأرشيفات، كونها "ذاكرتنا الجماعية، ووسيلة لإعادة اكتساب السيادة على هويتنا، ووسيلة لاستقلالنا الذاتي والاستشفاء، فهي ليست ماضيا، إنما الحاضر والمستقبل".

الأكثر قراءة