تحديات تطوير السياسة النقدية «1من 2»

لأعوام عديدة كنا نعتقد أن نظام سعر الصرف مرن. لكن حين نتأمل الماضي، نجد أنه كان نظاما جامدا. فقد يكون هناك فرق كبير بين ما نعتقد أننا نفعله وما نفعله حقا. وحسب تقييم صندوق النقد الدولي، كنا نطبق في الواقع نظام ربط زاحفا. وكانت هناك فجوات في أنحاء متفرقة من البنيان الاقتصادي الكلي نتجت عنها تحديات بالنسبة لسياسة سعر الصرف. وأدى التوسع المالي أحيانا إلى المغالاة في التقييم من خلال تأثيره في ميزان المدفوعات، وكان علينا إيجاد حل لهذه المشكلة.
وتطلب إصلاح المالية العامة اتخاذ خطوات صعبة على البلد وقادته. وتم وضع قواعد المالية العامة للمرة الأولى عام 2010، ثم تعديلها عام 2014. وسيتيح إنشاء مجلس للمالية العامة، كما هو مقترح حاليا، طرح أفكار أكثر استقلالية وزيادة الثقة في التوقعات الاقتصادية. واستهدفت جميع البرامج الثلاثة المدعومة من صندوق النقد الدولي التي شاركت فيها التصدي لمشكلات المالية العامة وديناميكيات الدين غير المستقرة للمساعدة على كبح جماح التضخم وتجنب اختلال سعر الصرف.
ومن أهم الأدوات المكملة لقواعد المالية العامة استقلالية البنك المركزي في إطار استهداف التضخم، مع زيادة مرونة سعر الصرف. فإذا ما تم تكليف بنك جامايكا المركزي الآن باستهداف التضخم ومنحه قدرا أكبر من الاستقلالية على النحو المقترح في القانون الجديد، سيتعين عليه أن يشرح للجمهور أسباب رفع أسعار الفائدة في الوقت الذي تشير فيه الحكومة إلى ضرورة تخفيضها على سبيل المثال. وكان التحول إلى تطبيق إطار لاستهداف التضخم قد دفع البنك المركزي بالفعل إلى تعزيز قنوات التواصل مع الجمهور. فخط النهاية لمسار الإصلاح لم يلح بعد في الأفق.
وحول استهداف التضخم، فقد توجد خيارات أخرى قابلة للتطبيق بالنسبة للدول الراغبة في زيادة مرونة سعر الصرف أو استهداف المجملات النقدية، وهذا الوضع يتوقف على وضع كل بلد. وقد أخضعت جامايكا جميع الخيارات للتجربة. ففي التسعينيات عندما كنا نستهدف المجملات النقدية، اكتشفنا أن هذا الخيار لم يكن ناجحا في حالتنا. فأداء المتغيرات لم يكن مرضيا، ما أدى إلى تفكك الارتباط بين المتغيرات والتضخم. وهو ما أثبتته عدة دراسات في دول أخرى على ما أعتقد.
ويعد نظام سعر الصرف من خيارات السياسات العميقة التي تترتب عليها آثار ملموسة. لكنك ستحتاج إلى أدوات سياسات تناسب الاختيار. ويتيح سعر الصرف المرن لجامايكا فرصة أفضل لبناء اقتصاد يتمتع بالصلابة والرخاء. فقد أثيرت مناقشات حول دمج أدوات السياسات، أي: أسعار الفائدة والتدخل في سوق الصرف الأجنبي والتدابير القوية الاحترازية الكلية والضوابط الرأسمالية، في إطار شامل. في جامايكا، وهي من الاقتصادات النامية المفتوحة المزيجة سنحتاج إلى أعوام عديدة لإنجاح كل من هذه المكونات على حدة قبل أن تنتقل مسألة الدمج من الإطار الأكاديمي إلى التطبيق العملي. ولا يعني ذلك أننا ينبغي ألا نبدأ في التفكير والنظر إلى هذه المكونات في إطار واحد. ويتعين أن يضم هذا الإطار الكلي الموحد سياسة المالية العامة وسياسات العمل أيضا.
ويمكن التوصل إلى مزيج أكثر تطورا في نهاية المطاف، لكن من المهم عدم الانغماس في هذا الاتجاه في الوقت الذي يوجد فيه عجز كبير في المالية العامة يتعين إصلاحه. فالسر الأساسي وراء نجاح عديد من الدول الأكثر نموا يكمن في الإصرار، والتركيز على مكون واحد وإصلاحه، والتطبيق السليم لكل مكون على حدة وفق تسلسل ملائم... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي