داخل مسالخ ألمانيا .. عمالة مهاجرة تكسب عيشها بتكلفة عالية

داخل مسالخ ألمانيا .. عمالة مهاجرة تكسب عيشها بتكلفة عالية
عامل في مسلخ تونيز في ألمانيا.
داخل مسالخ ألمانيا .. عمالة مهاجرة تكسب عيشها بتكلفة عالية
الأخوان بيرند وكليمنس تونيز

على مدى أكثر من 20 عاما، كانت رايا تتدبر أمرها. كانت تكسب ما يعادل 200 يورو شهريا في مستشفى في صوفيا، بلغاريا. لكن في أيلول (سبتمبر) 2019، خاطرت الأرملة البالغة من العمر 48 عاما بكل شيء للانتقال غربا. فعلت ذلك من أجل ابنتها. تقول رايا وهي تدحرج بقلق السجائر ويداها مليئتان بندوب حمراء: "أردت أن أمنحها الفرصة لتحقيق أحلامها. أجبرني اليأس على الذهاب إلى ألمانيا".
كانت محاولاتها الأولية مهينة. أولا، رايا (ليس اسمها الحقيقي) تعرضت للخداع من قبل أشخاص مزيفين يعملون في التوظيف. اختفوا بعد أن دفعت وديعة. بعد ذلك، تم توظيفها عن غير قصد من قبل عصابة مافيا من أوروبا الشرقية للعمل في مستودع خضراوات بالقرب من ميونيخ، حيث تم القبض عليها بسرعة وترحيلها.
بعد ذلك، في كانون الأول (ديسمبر) 2019، أثناء تصفح موقع فيسبوك، وجدت رايا عائلة الأخوين، وهما مقدونيان مقيمان في ألمانيا. كانا يوظفان عمالا لشركات مثل بيسيلمان، وهم مقاولون من الباطن لكبار منتجي اللحوم الأوروبيين مثل فيون وتونيز. أظهرت إحدى المنشورات عمالا يرتدون شبكات شعر وقفازات مطاطية يعملون في توضيب قطع كبيرة من اللحم. قيل لرايا إن الأجور تراوح بين 1600 و1900 يورو في الشهر.
توجهت بسرعة إلى ريدا فيدينبروك – مدينة شمال غرب ألمانيا ذات مبان بيضاء نصف خشبية. تم توظيفها من قبل عائلة مولر وهي تعمل الآن لدى بيسيلمان، وبدأت العمل في أكبر مسلخ في ألمانيا، وهو مسلخ تونيز: شعاره ثور مبتسم وبقرة وخنازير تدور في الأعلى.
كانت أول إشارة على وجود خطأ ما هو مسكنها المتهالك، الذي رتبته بيسيلمان. كانت رايا تدفع 300 يورو شهريا للحصول على سرير في غرفة مشتركة. شيكات رواتبها، من بيسيلمان أيضا، هي الضربة التالية: كان المبلغ في كل شيك 496 يورو فقط، ولم تستطع فهم السبب. ولم يكن لديها وقت للمحاولة: كانت تعمل عشر ساعات في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
تقول ريا إنها في بعض الأيام لم تحصل على قفازات وتخدرت أصابعها عند التعامل مع اللحوم المجمدة. في حالات أخرى، كانت ترفع كثيرا من الصناديق التي يبلغ وزنها 30 كيلوجراما لدرجة أن معصميها أصيبا بتنميل وخدر. لم تتصل بطبيب قط. تقول إن رئيس العمال كان يصرخ ويلقي الصناديق على العمال لتحريكها بشكل أسرع وهدد بطرد أي شخص يأخذ يوما في إجازة مرضية. "عندما تم اعتقالي سابقا، في ميونيخ، اكتشفت أنني كنت ضحية لمافيا. الوضع الحالي مماثل، لكنه أسوأ – لأن هذا في الواقع قانوني".
استمرت رايا في العمل، وهي مكتئبة ومتألمة، حتى تموز (يوليو)، عندما أصاب فيروس كورونا 1500 عامل من شركة تونيز واضطرت المنطقة بأكملها إلى الدخول في إغلاق. أكثر من سبعة آلاف عامل – بمن فيهم ريا، التي لم تعرف قط ما إذا كانت نتيجة اختبارها إيجابية – تحملوا أسابيع من الحجر الصحي الصارم.
أصبح تفشي الفيروس في تونيز هو الأسوأ من بين عديد من المسالخ والمزارع الألمانية، ما أثار غضبا عاما أجبر أكبر اقتصاد في أوروبا على التعامل مع سر مفتوح، تم تجاهله لفترة طويلة. في حين تشتهر ألمانيا بالنقابات العمالية القوية وعلاقات العمل المتناغمة، إلا أن عددا من الجيوب في اقتصادها – من النقل بالشاحنات والتمريض المنزلي إلى توصيل الطرود والحصاد الموسمي ـ تعتمد على العمالة المهاجرة الرخيصة وقد اتهامها باستغلالهم. وكانت أكثر مظاهر ذلك وضوحا في خدمة اللحوم.
حتى بعد أن سلط الوباء الضوء على ظروف المسالخ، استغرق الأمر أشهرا من الجدل كي يدفع وزير العمل، هوبرتوس هايل، مشروع قانون عبر البرلمان يحظر أنظمة التعاقد من الباطن في صناعة اللحوم. القانون الذي دخل حيز التنفيذ في بداية كانون الثاني (يناير)، لقي ترحيبا حارا من النشطاء والنقابيين. وهم يتفقون على أنه أكثر محاولات الإصلاح شمولا حتى الآن. لكن معارك المحاكم تلوح في الأفق، ورصد أي انتهاكات أو ثغرات يعود إلى الطبقة السياسية نفسها التي تجاهلت المشكلة لعقود. ستختبر الأشهر المقبلة ما إذا كانت المعركة قد حسمت بالفعل.
تقول يوتا كريلمان، عضو البرلمان من حزب دي لينكه اليساري: "عندما قرأت هذا القانون، أستطيع أن أرى أن هايل حارب بشدة. لكنها كانت تسوية أبقت بعض الأبواب مفتوحة (...) لا نعرف بعد ما سيحدث".
تحويل صناعة اللحوم في ألمانيا عملية شاقة: جماعات الضغط الراسخة والمصالح السياسية متشابكة بشدة مع الإنتاج الصناعي للغذاء. اعتاد المستهلكون على الأسعار المنخفضة. حتى مع انخفاض استهلاك اللحوم داخل ألمانيا، يظل إنتاجها نشاطا تجاريا كبيرا، بلغ 8.6 مليون طن في 2019، ما يجعل البلاد واحدة من أكبر المنتجين في أوروبا، وثالث أكبر مصدر للحوم الخنزير في العالم.
لكن هذا النجاح يأتي مقابل ثمن، ليس فقط للعمال مثل رايا ولكن من خلال تكريس عدم المساواة في جميع أنحاء أوروبا – تمكين الممارسات الفاسدة في الدول الشرقية الأفقر وتقويض محاولات الدول الغربية لفرض شروط أكثر عدلا. الدرس المقلق من صناعة اللحوم في ألمانيا هو أنه حتى الأسواق المنظمة بشكل جيد يمكن أن تتسبب في تكاليف باهظة خارج حدود الدولة.
يقول إنريكو سوماليا، نائب الأمين العام لاتحاد النقابات الأوروبية EFFAT: "قطاع اللحوم الألماني مصدر رئيس للمنافسة غير العادلة. حان وقت العمل حقا. لا يوجد خيار بديل. هذا مهم لألمانيا، ومهم لأوروبا".
يعكس صعود تونيز قصة أوسع بكثير. قبل 50 عاما، كانت عائلة تونيز تمتلك ملحمة محلية صغيرة. لكن مع تحول إنتاج الغذاء إلى التصنيع، أصبحت المسالخ المحلية غير مربحة. قام الأخوان بيرند وكليمنس تونيز بشراء مصانع وتحديثها وتوسيعها، مع تعزيز العلاقات مع سلاسل البقالة من خلال أسعار منخفضة.
اليوم يذبح مسلخ ريدا-فيدينبروك وحده 20 ألف خنزير يوميا، وتونيز هي واحدة من أربع شركات تسيطر على 55 في المائة من إنتاج لحم الخنزير الألماني. عائداتها في 2018 بلغت 6.7 مليار يورو. كليمنس تونيز، الذي تبلغ ثروته 2.3 مليار يورو، مدرج الآن في قائمة فوربس لأغنى أغنياء أوروبا ويتمتع بعلاقات مع شخصيات قوية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقول النقاد إن نجاح شركة تونيز والشركات الألمانية الأخرى متجذر في الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية التي بدأت في التسعينيات، ما يسمح لشركات الاتحاد الأوروبي بتوظيف "عمال مرسَلين" من شركات خارج الكتلة، ويدفعون لهم الأجور نفسها التي يحصلون عليها في وطنهم. كانوا يتلقون ما يعادل ثلاثة إلى خمسة يورو في الساعة، أي نحو ثلث ما يكسبه الألمان عادة. عمل بعض عمال الشركات في نوبات عمل لمدة 16 إلى 20 ساعة وكانوا يعيشون في خيام في الغابات.
استفادت الشركات الألمانية فائدة كبيرة للغاية لدرجة أن المنتجين مثل فيون، من هولندا، ودانش كراون نقلوا بعض العمليات إلى ألمانيا بدلا من محاولة التنافس. بحلول 2014، الغضب العام والشكاوى من الدول المجاورة دفع الصناعة في ألمانيا إلى الموافقة على حد أدنى للأجور. بعد ذلك بعام، لتجنب التشريعات، تعهدت الشركات أيضا بالتوقف عن استخدام العمال المرسلين.
لكن ما إن احتفلت النقابات والنشطاء بنهاية الأنموذج القديم حتى ظهر بسرعة أنموذج جديد. بدلا من العمال المرسلين، استأجرت شركات اللحوم مقاولين جدد من الباطن لتوظيف العمال – وهم الآن مقاولون ألمان من الناحية الفنية، لكن غالبا مع الجهات نفسها في أوروبا الشرقية.
التعاقد من الباطن، الذي كان يوفر نحو ثلثي عمال المسالخ، أدى إلى إزالة المسؤولية عن شركات اللحوم. المسلخ لم يكن يوظف العمال مباشرة، بل هو يدفع للمقاولين من الباطن سعرا ثابتا مقابل خدمة معينة – كمية معينة من الحيوانات المذبوحة أو اللحوم المنتجة، مثلا. المقاولون من الباطن كانوا يقدمون العمال، وبالتالي كانوا مسؤولين عن رواتبهم ومعاملتهم وأحيانا سكنهم. لكن نظرا لأن أجور المقاولين من الباطن تدفع على أساس الإنتاج، وليس بالساعة، فقد كان من المربح دفع العمال للعمل بشكل أسرع باستمرار، في نوبات طويلة وشاقة. قلة من العمال صمدوا أمام مثل هذه الظروف لمدة تزيد على عام.
وللحفاظ على إمدادات ثابتة من العمالة الجديدة، اعتمد المقاولون من الباطن على الوسطاء، الذين كانوا يجلبون العمال بانتظام من أوروبا الشرقية. بعضهم شركات رسمية لكن الكثيرين، مثل الأخوين مولر اللذين جندا رايا، يعلنون على فيسبوك برسوم كاريكاتورية، إلى جانب صورهم في الكازينوهات والحفلات.
الحيل من قبل الشركات المتعاقدة من الباطن لتقليل الأجور هي أمر شائع، وفقا لما ذكره رئيس للعمال في بيسيلمان الذي طلب عدم ذكر اسمه. أحداها المساعدة في تسجيل العمال للحصول على إعانات أطفال وتخفيضات ضريبية – وهي خدمات حكومية مجانية – مقابل عمولات تراوح بين 20 و500 يورو، وفقا لمقابلات مع مقاولين من الباطن ومجموعات تقدم المشورة للعمال المهاجرين. ويقول رئيس العمال إن عاملا آخر يضخم الرواتب بشكل خاطئ من خلال تضمين مزايا ضريبة التنقل التي لا يحق للعمال المهاجرين الحصول عليها. في النهاية، تستعيد الدولة الضرائب. قال رئيس العمال: "العامل لا يعرف ماذا يفعل – إنهم موجودون بالفعل في ألمانيا والآن يكتشفون أن رواتبهم أقل بكثير". ولم يقل ما إذا كانت بيسيلمان تفعل ذلك.
رفض الأخوان مولر وبيسيلمان طلبات متكررة للتعليق.
الروابط غامضة بين المقاولين من الباطن والقائمين على التوظيف والوسطاء الآخرين. يعتقد بيوتر مازوريك، المستشار في فير موبيليتي Fair Mobility، وهو برنامج تموله الحكومة للعمال المهاجرين، أن هذا مقصود.
وهو يقضي أيامه في تحليل كشوف المرتبات المربكة ومساعدة العمال على استرداد الأجور، ومحاربة إيجارات المساكن غير العادلة أو تحديد "الرسوم" غير القانونية للسكاكين أو معدات الحماية في المسلخ. يقول مازورك: "لديك مزارعون وعمال من ناحية، والمستهلكون من ناحية أخرى، ولديك صندوق أسود كبير بينهما. الصندوق الأسود يكسب الملايين كل عام".
عند مناقشة أصول هذا "الصندوق الأسود"، يشير كثير من النشطاء إلى MGM Handels- und Vermittlungs، المملوكة لرجل الأعمال الروماني دوميترو ميكوليشكو. وظفت شركته العام الماضي 1700 عامل، حيث تعاقدت مع عدد من أكبر منتجي اللحوم في ألمانيا، بما في ذلك تونيز.
ميكوليشكو استفاد من محطة تلفزيونية في دامبوفيتا، على بعد ساعة بالسيارة من بوخارست. مثلا، ظهر مقطع فيديو في كانون الثاني (يناير) 2019، يبدو وكأنه تقرير إخباري، يقدم رجلا يدعى جابرييل، يصف العمل في مسلخ ألماني لمدة ستة أعوام عن طريق MGM ويقول إنه "يعامل تماما مثل العمال الآخرين، الذين هم من بولندا أو حتى ألمانيا ". تم عرض إعلانات مماثلة في أواخر ربيع 2020. ولا يذكر أن MGM والمحطة التلفزيونية مملوكة لعائلة الرجل نفسه: ميكوليشكو.
ألكسندرو إيانكو (28 عاما) الذي عمل في تونيز لمدة عامين، عن طريق MGM أيضا، يصف حقيقة مختلفة. يقول إنه كان يعمل بانتظام في مناوبات من 16 إلى 18 ساعة، ولم يتلق أي أجر إضافي، وكان يعود في وضح النهار إلى غرفة موبوءة بالصراصير. يتذكر أن أحد زملائه قطعت له أربع أصابع نتيجة الضغط عليه للعمل بسرعة. عندما قطع إيانكو إصبعه، لم يقابل الطبيب إلا بعد ثلاثة أيام.
يقول إيانكو إن بعض زملاء العمل تخلوا للتو عن رواتبهم غير المدفوعة لأسابيع وعادوا إلى أوطانهم. اثنان من مسؤولي التوظيف ومقاول فرعي سابق يقولون إن حجب الراتب النهائي هو إحدى الاستراتيجيات العديدة لتقليص الأجور.
خلال مكالمة هاتفية مع فاينانشيال تايمز، وصف ميكوليشكو الادعاءات ضد شركته بأنها "أكاذيب مختلقة" وقال إنه لم يعد يعمل في مجال التعاقد من الباطن اعتبارا من كانون الأول (ديسمبر) 2020. وتم قطع الاتصال قبل أن يبلغ بجميع الادعاءات. ولم يتم الرد على رسالة بريد إلكتروني للمتابعة.
يقول توماس دوش، وهو متحدث باسم تونيز، إن شركته لا تتسامح أبدا مع سوء المعاملة. "لا أعتقد أنه يمكننا القول إنهم (العمال) يتعرضون للاستغلال"، مجادلا أن بعضهم التزم الصمت بشأن إصابته ليتمكن من العمل ساعات كافية لإجازة في الوطن لمدة شهر. قال دوش إن تونيز اتخذت خطوات رئيسة لتحسين وضع العمال بعد الاحتجاج العام في الصيف الماضي، بما في ذلك إدخال "متخصصين في التكامل" إلى مجلس عمل الشركة ومحقق شكاوى سري. وردا على روايات نقلتها إليه فاينانشيال تايمز، أجاب: "كانت هناك دائما مشكلة مع المقاولين من الباطن (...) لكن المسؤولية تقع على عاتق شركات المسالخ بدلا من ذلك".
بالنسبة للمستشارين مثل مازوريك، هذا ليس عذرا. وهو يرى حلقة مفرغة، من المستهلكين الذين يبحثون عن أسعار رخيصة إلى سلاسل البقالة المتنافسة لتوفيرها، وكلها تضغط على منتجي اللحوم من أجل خفض التكاليف. وهم يلبون هذا الطلب من خلال تجاهل الممارسات العدوانية للمقاولين من الباطن في أرض المسلخ. ويقول: "في النهاية هم سبب كل هذا. الجميع في سباق نحو القاع. من السذاجة أن نقول ’لم نكن نعرف‘".
على بعد كيلو مترات قليلة فقط، في مقهى على ضفاف البحيرة في ريدا-فيدينبروك، تدخن رايا وتنتظر صديقة. في وقت سابق من ذلك الأسبوع، هي وبعض زملائها العمال واجهوا بيسيلمان بشأن الأجور غير المدفوعة. أرسلتهم بيسيلمان إلى وسيطهم الألماني، وهي امرأة تعرف باسم "هايدي". أرسلتهم هايدي، بدروها، إلى الذين وظفوهم أصلا، وهما الأخوان مولر، اللذان أعادوهما إلى هايدي. بعد ذلك، اعتقد أحد زملائها في العمل أنه ملاحق وأصيبوا بالذعر.
الآن، رايا وصديقتها تتأملان في كشوف رواتبهما، في محاولة لمعرفة أين ذهب مالهما. إحدى المشكلات هي فقدان الساعات التي تصر رايا على أنها عملتها. هناك سبب آخر هو أن بيسيلمان حولت الأموال مقابل "خدمات النقل"، التي تقول رايا إنها لم تكن تستخدمها، إلى حساب مرتبط بالأخوين مولر. وهي تقول: "أشعر أنني ضحية نوع من العبودية الحديثة. أسوأ جزء هو العجز واليأس".
تحول اليأس إلى غضب. في أيلول (سبتمبر)، غادرت رايا ريدا-فيدينبروك، بحثا عن عمل في مكان آخر. كل شهر منذ ذلك الحين، كانت تقطع مسافة 120 كيلو مترا بالسيارة للمطالبة بأجرها غير المدفوع.
تجارب مثل تجربة رايا هي مثال على عدم المساواة المنتشر في جميع أنحاء القارة، وفقا لكلوتيلد أرماند، وهي عضوة سابقة في البرلمان الأوروبي ورئيسة بلدية إحدى مقاطعات بوخارست حاليا. وهي تعد أن نظام عمال المسالخ المهاجرين في ألمانيا هو أحد أعراض التباين بين الشرق والغرب المستمرة منذ انهيار الستار الحديدي قبل ثلاثة عقود.
البنية التحتية القانونية للشركات في الاتحاد الأوروبي خلقت مزايا للشركات الغربية، كما تقول. فمن الناحية النظرية معالجة منتجات مثل اللحوم ينبغي أن تتم في أوروبا الشرقية، حيث تكون المواد الخام أرخص، لكن بدلا من ذلك يصنعها عمال أوروبا الشرقية في ألمانيا – ثم يتم تصديرها إلى أوروبا الشرقية وبيعها في محال السوبر ماركت المملوكة لألمانيا. في الوقت نفسه، الإعانات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي غير متوازنة: الدعم لكل رأس ماشية أو هكتار من الأرض في رومانيا يبلغ نصف ما هو عليه في الغرب، كما تقول أرماند: "الأموال تتدفق من الشرق إلى الغرب، وليس العكس".
في صباح يوم رطب في مسلخ فيون في بلدة كلوبينبيرج شمالي ألمانيا تدخل شاحنات ثلاثية الطبقات مليئة بالخنازير عبر بوابات معدنية، وتخرج شاحنات مبردة مليئة باللحوم. مازوريك ينتظر في الخارج مع زميلته، مانويلا زابو، واحدة من كثير من المعينين الجدد لتعزيز فير موبيليتي. تم تكليف المجموعة بإبلاغ العمال بالقانون وطلب مساعدتهم لإنفاذه من قبل وزارة العمل. وهما مسلحان بمنشورات بعدة لغات، وينتظران شاحنات بيضاء مليئة بالعمال – على الرغم من الظروف الوبائية.
رجال ونساء، مراهقون ومتوسطو العمر، يظهرون في بناطيل رياضية. يتجه العمال الذين ينهون نوباتهم نحو الشاحنات، وأطرافهم متيبسة لدرجة أن الكثير منهم يعرج، وجباههم مجعدة باللون الأحمر بسبب شبكات الشعر. يقوم زابو ومازوريك وأعضاء اتحاد NGG للمواد الغذائية والمشروبات بتوزيع منشورات، ويطرحون وعودا بعصر جديد: "رواتب كاملة! لا مزيد من الخصومات في الأجور! لا مزيد من المقاولين من الباطن!".
زابو تترجم للعمال الرومانيين الذين احتشدوا حولها. شقيقتان مراهقتان ترتديان حذاءين رياضيين مزينين بالترتر تدفعان قبضتيهما وترقصان احتفالا: "أخيرا!"، لكن رجلا مسنا يهز رأسه ويشق طريقه نحو زابو. يقذف بمنشوراتها بعيدا، ويقول بلطف: "أنا أعمل في ألمانيا منذ ستة أعوام. لقد قيل لي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة إن الأمور ستتحسن. صدقيني: هنا لا شيء يتغير".
يبقى السؤال ما إذا كان القانون الجديد قادرا على إحداث تغيير دائم. كافح وزير العمل هوبرتوس هايل من أجل ذلك حتى الأسابيع الأخيرة من جلسة البرلمان الألماني في 2020.
يقول دوش، المتحدث باسم شركة تونيز، إن موقف هايل العدواني منع الإجماع الضروري لنجاح القانون. ويضيف: "هناك سياسيون يتقدمون ويعلنون التضامن في السر، لكنهم في العلن ضد صناعة اللحوم".
يوضح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على وجه الخصوص العلاقات العميقة بين الشركات الزراعية والطبقة السياسية في ألمانيا. تلقى كثير من نواب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذين هم أعضاء في اللجان البرلمانية الزراعية أو الاقتصادية، عشرات الآلاف من اليورو في الأعوام الأخيرة من مناصب في الجمعيات الزراعية، وفقا لموقع الشفافية الألماني Parliament Watch. وينطبق هذا أيضا على الديمقراطيين الاجتماعيين، حزب هايل – فقد حصل زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي السابق سيجمار جابرييل على عشرة آلاف يورو شهريا مقابل استشارة لمدة ثلاثة أشهر لشركة تونيز العام الماضي، وفقا لإيداعات الشفافية.
تاريخيا، كانت العلاقات الصناعية قوية جدا، وفقا لبيتي مولر جيميكي، وهي عضو البرلمان عن حزب الخضر، بحيث إن عضوا برلمانيا سابقا من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أخفى تعديلا مخططا لقانون 2017 عن زملائه أعضاء الحزب حتى وقت التصويت. تمت الموافقة على التعديل الذي تطلب معدلات فحص أعلى للمسلخ. لكن بعد ذلك بعامين، عندما طلبت إحصائيات، اكتشفت مولر جيميكي أن عمليات التفتيش قد انخفضت، حتى مع ارتفاع الإصابات والانتهاكات.
الآن الحكومة تواجه عملية توازن تحتاج إلى حذق ومهارة. ألمح عدد قليل من الشركات إلى الانتقال إلى الخارج. يقول دوش: "تونيز نفسه من ريدا (...) هو متجذر في المنطقة. لكن لا بد أن يظل من الممكن العمل. الشركة التي تدفع ضرائب 50 مليون يورو تسهم أيضا في المصلحة العامة". لدى تونيز بالفعل مصانع في إسبانيا والدنمارك والمملكة المتحدة، ويقول دوش إنها "تعامل هناك كضيف مرحب به".

الأكثر قراءة