Author

تجربة الدول الآسيوية «3»

|
مستشار اقتصادي
في المقال الأول طرحت فكرة الكتاب الأساسية وفي المقال الثاني تم تقديم أول فكرتين عن وصفه الدول الآسيوية التي نجحت والدول التي لم تنجح. الفكرة الثالثة: السياسات الحمائية ضرورية للانتقال إلى اقتصاد تصنيعي. الأغلبية ربما لا تقبل أن عملية التنمية الاقتصادية تقوم على الزراعة، لكن الزراعة هي نقطة البداية، فحين تكون القاعدة الزراعية سليمة بما في ذلك إصلاح الأراضي والمنافسة وتحقيق فائض مالي يكون المجتمع جاهزا لمرحلة التصنيع. قد لا تكون الزراعة بالأهمية نفسها لكل دولة، لكنها مهمة من ناحيتين: الأولى، إنني بصدد عرض للكتاب كما ورد، والأخرى، إن الزراعة لا يزال لها مكان في اقتصاد مهتم بإدارة جميع الموارد حتى لو كان دورها أقل. هناك سببان لتحقيق النقلة التصنيعية، الأول، إن الصناعة الثقيلة غالبا لا تحتاج إلى عمالة عالية التعليم أو التدريب، والآخر، إن المنتجات الصناعية قابلة للتصدير بعكس أغلب الخدمات، كذلك هناك حرية أعلى في هجرة العمالة في المجتمع والتمدن وبالتالي ارتفاع رأس المال الاجتماعي. لكن الصناعة تحتاج إلى مساعدة مؤثرة من خلال الحماية حتى تصبح قادرة على المنافسة. البعض في الدول المتقدمة يروج للمنافسة كأنها علاج لكل شيء، لكن كل الدول الصناعية مارست الحماية في مراحل مختلفة حتى الآن، إذ لم تمارس المنافسة من البداية إلا في المراكز المالية مثل سنغافورة وهونج كونج. الصناعة تحتاج إلى حماية لحين التمكن من التقليد والتعلم حتى تصبح الصناعة في مستوى المنافسة، بل إن دول آسيا التي نجحت عملت على المنافسة الداخلية كي تنافس خارجيا.
الفكرة الرابعة، تحتاج الحكومات إلى الاستثمار في التطوير التقني ودعم المبادرين. تحقيق اقتصاد متطور يحتاج إلى عقود من التخطيط المنظم والدقيق والعمل الدؤوب. أين تبدأ الرحلة؟ تبدأ باستثمار في قطاع الصناعة، فمثلا بدأت اليابان في 1870 بصناعة النسيج والتعدين والأسمنت، حيث استعانت بالآلات والفنيين المهرة من الخارج حتى تمكن الياباني من المعرفة والتقدم بغرض المنافسة والتصدير. المنتجات الأولى كانت تقليدا للمنتجات الغربية وتفي باحتياجات السوق المحلية، لكن في العقد اللاحق تم بيعها لمبادرين استطاعوا تحقيق أرباح. الخطوة الثانية حين أصبحت الصناعات قادرة على الوقوف على قدميها بدأت الحاجة إلى تشريعات تشجع المبادرين. فمثلا ممكن في مرحلة معينة تقليص أو التوقف عن رسوم أو ضرائب الواردات حتى لو سبب بعض التأثير في بعض الصناعات لتمكين البعض من المنافسة الدولية، في اليابان تم رفع الحماية لما تم إنشاء أكبر معمل بخاري للقطن في 1882، حيث كان أكبر استثمار في حينه، ما عرض مزارعي القطن للضغط من المنافسة الخارجية. بل إن المشروع كان كافيا لتحقيق فائض في ميزان المدفوعات التجاري، إذ أصبحت المنسوجات تشكل 60 في المائة من الصادرات اليابانية. في حسابات الربح والخسارة من ناحية والتقدم الاقتصادي من ناحية أخرى كانت خطوة ناجحة مشجعة نحو التنمية.
في المقال المقبل سنقدم من عوامل سياسة التصنيع الناجحة: انضباط التمكين للتصدير.
إنشرها