Author

تقييم الأداء والعدالة المفقودة

|
يمر معظم المنظمات في هذه الأيام بالمراحل الأخيرة من دورة تقييم أداء الموظفين السنوية، وهي للبعض بل ربما لكثيرين فترة حرجة ومزعجة. يتعاظم التفاعل مع هذه الأنشطة التقويمية والتحفيزية إذا أعلنت المنظمة أنها متطلب يؤثر في العلاوات والترقيات، المكافأة السنوية أو حتى شرط للحفاظ على الوظيفة، وهذا أمر يتزايد حضوره في القطاعين الخاص والعام على حد سواء. لكن هل من الطبيعي أن يكون برنامج تقييم الأداء الوظيفي أمرا مزعجا؟ هل من الطبيعي أن يمتعض كل من يجد نفسه خارج دائرة الأداء العالي؟ هل تفتقد هذه البرامج العدالة وبالتالي قلما تحوز الرضا؟ من المشاهد أن المشاعر السلبية قد تأتي من الموظف الذي يتم تقييمه ومن المدير الذي يقيمه في الوقت نفسه، إذن أين يقع الخلل؟
يمكننا القول: إن برامج تقييم الأداء الوظيفي إجمالا ليست من برامج التقييم التي تتمتع بصورة حسنة أو عادلة. فهي ليست كالاختبارات المعرفية الموضوعية ولا يمكن احتساب الإنجاز بشكل موضوعي دائما. تتفاوت هذه البرامج في طبيعتها وتتفاوت بشكل أكبر بيئات العمل التي تنفذ بها. ويتفاوت أداء الأطراف التي تخضع للتقييم وتؤدي عملية التقييم في الوقت نفسه. أعتقد أن برامج تقييم الأداء رغم أهميتها في إدارة أداء الأفراد والمنظمات، من أضعف وسائل التقييم الأداء الشخصي، حتى بعد تطويرها وتحسينها. وكي ننظر إلى مصدر الامتعاض الذي نجده في هذه الأوقات يمكننا النظر إلى سبعة محاور مؤثرة أسردها تباعا باختصار.
المحور الأول: المؤثر في عدالة البرنامج هو تصميم البرنامج وتوافقه مع استراتيجية إدارة الأداء في المنظمة. إذا كانت استراتيجية إدارة الأداء في المنظمة مختلة فهذا يعني أن برنامج تقييم الأداء الوظيفي لن يعمل بشكل سليم وعادل. وهذا يجعلنا ننظر إلى الكليات الأساسية في العمل المؤسسي المنظم، من نموذج العمل والاستراتيجية العامة للمنظمة إلى مكوناتها المختلفة من ثقافة وقيادة ومعايير الأداء ومستهدفاته. ويجعلنا بطبيعة الحال ننتقل إلى أدوات تقليدية أخرى مثل المحفزات والشفافية ووضوح المهام. على سبيل المثال، إذا افتقدت المنظمة وضوح الإجراءات بسبب غياب أو ضعف التوصيف الوظيفي أو الإجراءات الموثقة، فمن المستحيل تصميم برنامج ملائم وواقعي وقابل للعمل بشكل مفيد. وإذا كان هناك تباعد كبير بين مستوى الكفاءات وتوقعات الأداء أو ضعف في جودة التوظيف أو التطوير المهني، فإن تصميم برنامج متقدم وقوي لتقييم الأداء لن يخرج بفائدة حقيقية.
المحور الثاني: يرتبط بتطبيق البرنامج وليس تصميمه. فلو افترضنا وجود حالة من النضج العام في إدارة الأداء ومتطلباته، مع تصميم برنامج مثالي يلائم المنظمة وطبيعتها، فإن تنفيذ البرنامج بطريقة سيئة أو شكلية سيفقد البرنامج جزءا كبيرا من فعاليته، وهذا سيفقده بكل تأكيد قدرته على الظهور بشكل عادل.
المحور الثالث: المؤثر هو غياب التوازن بين العناصر الموضوعية التي يمكن قياسها بشكل علمي ومؤيد والعناصر التي تتطلب أحكاما شخصية. لا يمكن عمليا تقييم الأشخاص بشكل علمي بحت، فالأداء السلوكي والشخصي إجمالا عنصر أساسي في أي تقييم وظيفي. لكن، أي خلل في التوازن هنا يجعل العملية أكثر تحديا وبالتالي أكثر عرضة للأخطاء أو النقص، وهذا العنصر يقوم على جودة الربط بين مكونات نموذج التقييم وبين مستهدفات العمل إجمالا، وهنا يقع أحد أهم أدوار فريق الموارد البشرية الذي يضحي بكامل البرنامج إذا لم يتدخل بشكل سليم ومدروس للتأكد من ذلك. المحور الرابع: يرتبط بدرجة الربط بين التعويضات المادية وغير المادية بمستهدفات الأداء ونتائج برنامج التقييم. وهذا يعني تكامل دائرة الحوافز وارتباط ما يكفي منها ببرنامج إدارة الأداء بشكل مباشر، سواء كان ذلك بإذكاء روح التنافس وحس التسابق أو بالمكافآت الجماعية والترابط الاجتماعي.
المحور الخامس: يقوم على أداء المدير في التوجيه والتقييم. وهذا يعني تمكين المدير المسؤول من الإسهام في تنفيذ برنامج تقييم الأداء بشكل عادل. ولا يحدث هذا الأمر أثناء عملية التقييم فقط، بل يبدأ من أول يوم يتم فيه الإشراف على عمل الموظف، ويشمل توجيهه والتمكن إجمالا من المهارات الناعمة الضرورية لإحداث التأثير الإيجابي. افتقاد ذلك يعني عملية تواصلية مفقودة ولفت انتباه ضعيف وعملية إدارة أداء متقطعة، وكنتيجة طبيعية، عملية تقييم غير مكتملة الأركان. لذا تحرص المنظمات اليقظة في إدارة الأداء على تمكين المديرين من القيام بالمهام التوجيهية والتقويمية بشكل إيجابي يتناسب مع مستهدفات العمل ومتغيراته.
المحور السادس: يرتبط بالموظف نفسه، وهو قدرته على فهم لعبة الأداء داخل المنظمة، وفهم مستوى النضج الموجود، وبالتالي التعامل معه بشكل منطقي وسليم. قد تكون الطريقة الأسلم للموظف في محاولة تجاوز متطلبات البرنامج بتميز وفهم المنعطفات الأساسية في عملية إدارة الأداء الحالية، مع الحرص أساسا على الوجود في منظمة تهتم بجميع العناصر السابقة، لأن التقدم في الأداء لا يمكن دائما اثباته في بيئة لا تعمل فيها هذه العناصر بشكل جيد. المحور السابع: والأخير هو قدرة قيادة المنظمة وتفاعلها للرقي بالبرنامج في فترة وجيزة، غياب ذلك يعني صعوبة توقع العدالة التي تهم الموظف والمنظمة. لهذه الأسباب ينبغي ألا يستعجل الموظف إذا شعر بغياب العدالة ويسيء الظن بمديره، فقد يكون هو ومديره مجرد لاعبين في نظام متهالك وضعيف. على من يبحث عن العدالة في تقييم أدائه المتميز أن يبحث عن أماكن العمل التي تهتم بذلك.
إنشرها