إن البلاء موكل بالمنطق
اللسان عضلة صغيرة، ولكن شأنها عظيم، قد تؤدي بصاحبها إلى الهلاك ما لم يتثبت صاحبها من منطوقها، ولذا كان من الحكمة ألا تستخدم إلا في الخير، وأن تحفظ من أي مقولة تنعكس على صاحبها شؤما أو عقابا. "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا.."، وفي الحديث "أمسك عليك لسانك.."، فالسلامة لا يعدلها شيء، وقد أفلح من حفظ لسانه إلا من خير يتكلم به، وكم من شخص أطلق للسانه العنان متشائما بوقوع الشر عليه في مستقبل أيامه، فابتلي بوقوع ذلك الأمر. وصدق الشاعر العربي حين قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
إن البلاء موكّل بالمنطق
ويقول آخر:
لا تنطقن بما كرهت فربما
عبث اللسان بحادث يكون
ولذا، فمن الواجب ألا يقول الإنسان إلا قولا فيه تفاؤل وخير، فالفأل فيه تقوية للعزم، وهو باعث على الجد والتوفيق على خلاف التشاؤم، وهو مصدر يتوقع من خلاله وقوع الشر. وقد قال أحد الحكماء: "إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به"، وفي الأثر: "لا تستهزئ بأخيك يعافه الله ويبتليك". فالعاقل كما تقول العرب من عقل لسانه إلا عن ذكر الله. روي عن أحد الصحابة أنه قال: "لا تستشرفوا البلية، فإنها مولعة بمن يشرف له، إن البلاء مولع بالكلم". وقد بلغ حب التفاؤل بالعرب أن يسموا اللديغ بالسليم. ومن أمثالهم في حفظ اللسان وعدم السخرية قولهم، "لا تسخر من شيء فيحور بك" أي يرجع عليك ويحل بك، فالكلمات التي تنطق بها لتعيب الآخرين وتذمهم وتسخر منهم، ثق بأنها سترتد إليك ويكون لها تأثير في جلب ما عبت به الناس إلى عالمك الخاص وإلى نفسك التي بين جنبيك. علماء النفس من جانبهم يرون أنه عندما يركز الشخص على تجربة شخص آخر ويتحدث عنها، فإن العقل الباطن يترجمها أنها طلب، أي أن الشخص يريد أن يعيش تجربة الشخص الآخر نفسه، وبذلك فهو يصنع واقعه بطريقة غير واعية. ولذا، فإن الصمت حكمة إن لم يكن الحديث خيرا، فسلامة المنطق من سداد الرأي وحسن اللفظ من كمال العقل.