الجائحة تقدم دفعة لشركات التكنولوجيا المالية في الخليج

الجائحة تقدم دفعة لشركات التكنولوجيا المالية في الخليج
عدد من العاملين في منصة هايبر باي في الرياض.

بعض إجراءات الإغلاق والقيود الصارمة التي تم فرضها في العالم لمكافحة فيروس كورونا، كانت مطبقة في دول الخليج. بالتالي تأثرت اقتصادات المنطقة التي تضررت بالفعل من انخفاض أسعار النفط.
لكن كما هو الحال في أي مكان آخر حول العالم، كانت شركات التكنولوجيا الناشئة في المنطقة من أكبر المستفيدين من زيادة نشاط التجارة الإلكترونية، مع احتماء العملاء بمنازلهم.
منصات الدفع التي كانت وراء التحول من التجارة التقليدية إلى التجارة الرقمية سيطرت على مشهد التكنولوجيا المالية الناشئة في المنطقة ـ بعضها مدعوم من قبل شركات اتصالات كبرى. في أوائل العام الماضي ارتفعت المدفوعات الإلكترونية في السعودية، أكبر أسواق الخليج، بعد أن سمح للعملاء باستخدام بطاقات الخصم - بدلا من بطاقات الائتمان الأقل شيوعا – في المعاملات عبر الإنترنت.
اجتذبت السوق المزدهرة اهتماما خارجيا بالبنية التحتية الرقمية التي تدعم التكنولوجيا المالية. قالت ويسترن يونيون الشهر الماضي إنها ستستثمر ما يصل إلى 200 مليون دولار مقابل حصة تبلغ 15 في المائة في إس تي سي باي" STC Pay، ذراع المدفوعات سريعة النمو لشركة الاتصالات السعودية المدرجة في السوق المالية . وتهيمن بايفورت Payfort، وهي شركة ناشئة مقرها دبي تم بيعها إلى أمازون في 2017، على المدفوعات الإقليمية، وهو العام نفسه الذي أصبحت فيه الشركة الأمريكية لاعب التجارة الإلكترونية المهيمن في المنطقة، من خلال الاستحواذ على "سوق"، منصة التجارة الإلكترونية المحلية المنافسة.

يظهر آخرون كمنافسين مستقلين لأمازون. طورت شركة تلر Telr، وهي شركة دفع مقرها دبي، بسرعة منتجا سمح حتى لمحال البقالة الأكثر تواضعا بالعمل خلال الوباء. يمكن للتجار الذين ليس لديهم موقع ويب إرسال روابط دفع للعملاء الراغبين في تجنب النقد.
هايبر باي Hyperpay، وهي منصة مقرها السعودية، ارتفعت إيراداتها ثلاثة أضعاف في الأشهر الثلاثة الأولى خلال الوباء، مع تحول العملاء إلى التسوق عبر الإنترنت. بوابة الدفع، التي تأسست في 2014، أطلقت منتجا يسمح لتجار السوق بإرسال مدفوعات سريعة وشاملة عبر منصة واحدة للمستخدمين - سواء كانوا بائعين، أو سائقين، أو مقدمي خدمات. سمحت الخدمة للتجار الصغار في المملكة بالتنافس مع التطبيقات العالمية المهيمنة، حيث أصبحت الخدمات القائمة على التوصيل حيوية في دعم الناس خلال قيود كوفيد.
يقول خلدون طبازة، مؤسس شركة رأس المال الاستثماري، آي مينا iMena ـ مقرها الأردن ـ المستثمر في كل من تلر وهايبر باي: "كانت خدمة هايبر باي مدفوعة بخدمات التسليم للوجهة الأخيرة، وهي مستمرة في سد الثغرات في إمكانيات الدفع".
جاء الاعتماد السريع للخدمات المالية عبر الإنترنت خلال الوباء من قاعدة منخفضة – لا يزال الشرق الأوسط يمثل 1 في المائة فقط من الاستثمار العالمي في التكنولوجيا المالية، وفقا لتقرير عن القطاع صادر عن معهد ميلكن.
لكن القطاع ينمو بنسبة 30 في المائة سنويا في منطقة يسارع فيها الشباب المتمرسون في التكنولوجيا إلى تبني تكنولوجيات جديدة. في 2017 جمعت 30 شركة في مجال التكنولوجيا المالية 80 مليون دولار من تمويل رأس المال الاستثماري. بحلول 2022، من المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى أكثر من ملياري دولار من 465 شركة، حسب تقرير معهد ميلكن الذي يستشهد ببيانات من مركز دبي المالي العالمي، وفينتك هايف، وأكسنتشر.
إضافة إلى تعزيز التجارة الإلكترونية، تعمل التكنولوجيا المالية على تعزيز الشمول المالي، لأن التقدم التكنولوجي يمكن الخدمات من الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين تتجاهلهم البنوك القائمة ومديرو الثروات.
توفير الخدمات المالية الأساسية لـ25 مليون عامل من ذوي الدخل المنخفض في دول الخليج كان عملا رائدا من قبل الشركات الناشئة بما في ذلك ناو موني Now Money وجو رايز Go Rise. تأمل شركات التكنولوجيا المالية هذه في اقتطاع حصة من التحويلات الضخمة البالغة 150 مليار دولار سنويا التي تغادر الخليج إلى منازل في آسيا وإفريقيا، وجعل الوصول إلى الخدمات المصرفية متاحا للعمال المهاجرين.
تشكل الطبقات الوسطى في الشرق الأوسط فرصة أخرى. "في السعودية والإمارات ترغب الطبقات المتوسطة في الوصول إلى مديري الثروات، لكن ما من أحد لبى احتياجاتهم فعليا"، بحسب رابح خوري، كبير المديرين التنفيذيين في ميدل إيست فينتشر بارتنرز. أضاف: "الأثرياء دائما لديهم الحلول - لكن الآخرين الآن يمكن أن يساعدهم مستشارون من الروبوتات".
تعد "ثروة" Sarwa، وهي إحدى شركات محفظة ميدل إيست فينتشر بارتنرز، أول منصة استثمار مؤتمتة منظمة في المنطقة. يستخدم المستشارون من الروبوتات الخوارزميات لتقديم المشورة المالية والوصول إلى المنتجات ومساعدة العملاء على التوفير عن طريق خفض الرسوم والحد الأدنى للحساب .
شركة ثروة، التي يرعاها مسرع التكنولوجيا المالية في مركز دبي المالي، طورت بروتوكولات تعرف على عميلك عبر الإنترنت لتسهيل الوصول إلى الحساب في منطقة شكلت فيها إجراءات الامتثال الصعبة عقبة كبيرة أمام العملاء، خاصة الشباب.
سلط الوباء الضوء على الحاجة إلى تطبيقات رقمية للعملاء، كما تقول نادين مزهر، أحد مؤسسي شركة ثروة ورئيسة التسويق فيها.
شكلت تقلبات السوق العالمية التي صاحبت الوباء تهديدا محتملا للمستشارين من الروبوتات، ما أجبر شركة ثروة على التحدث إلى العملاء ودفع المحتوى الذي يسعى إلى تثقيف المستثمرين حول الحاجة إلى الحفاظ على خطط الادخار خلال الأوقات الجيدة والسيئة.
نجحت حملة التعليم: خلال الربع الأول نمت الأصول المدارة بنسبة 100 في المائة، مع زيادة بنسبة 80 في المائة في فتح الحسابات الجديدة. في نيسان (أبريل)، جذبت "ثروة" ثلاثة أضعاف أصول العام السابق.
"ثروة" التي جمعت ما يقارب عشرة ملايين دولار خلال ثلاث جولات، اختتمت الجولة الأولى في كانون الثاني (يناير)، ما وفر وسادة مالية لرؤية الشركة الناشئة خلال الأزمة. تقول مزهر: "لدينا الآن دعم قوي من كبار المستثمرين الإقليميين والدوليين". أضافت: "’ثروة‘ تعزز مكانتها وتعمل على مزيد من التقدم في خطتها التوسعية". وتستهدف الشركة التي تتخذ من دبي مقرا لها، التي توسع عملياتها في السعودية، نموا يراوح بين 10 و20 في المائة على أساس شهري.
يقول مستشارون إن المنظمين يعكفون على وضع خطط لفتح قسم الخدمات المصرفية للأفراد بالكامل لما يسمى البنوك الرقمية المنافسة التي ظهرت في أماكن أخرى من العالم. ولأن المقرضين الراسخين يواجهون تحدي التكنولوجيا المالية، يجابه مقدمو الخدمات القديمة بشكل متزايد حقيقة أن التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة سيكون أمرا حيويا لبقائهم على المدى الطويل.
لكن العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية لا تزال تشكو من العوائق التي تعطل تطوير القطاع، ولا سيما بين الشركات الراسخة المتوترة من المنافسين الجدد.
تقول مزهر إن الجهات التنظيمية منفتحة بشكل متزايد على التغيير، لكنها تحث البنوك على التعاون بشكل أكثر انفتاحا مع شركات التكنولوجيا المالية من أجل ازدهار القطاع. "قد تكون فكرة مبتذلة أن الشركات الناشئة تستطيع المناورة بسهولة، لكن البنوك يجب أن تمر عبر الأطواق البيروقراطية". أضافت: "لذا، في حين أن هناك الكثير من الاهتمام بالعمل مع الشركات الناشئة، إلا أن القطاع لا يتحرك بالسرعة اللازمة".
يوافق طبازة، من آي مينا، على أن البنوك لا تزال بطيئة في التكيف.

حتى أذكى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، في جميع نماذج الأعمال التجارية، لا تزال بحاجة إلى العمل مع المؤسسات المصرفية الراسخة.
يقول طبازة: "القدرة على التكيف وديناميكية الشركات المصرفية القديمة قضية كبيرة تواجه القطاع في المنطقة".

الأكثر قراءة