ألمانيا .. المهاجرون يتصدرون مشهد الشركات الناشئة

ألمانيا .. المهاجرون يتصدرون مشهد الشركات الناشئة
ريبال ديب يتحدث عن "موزاييك"، سوقه للأطعمة الشرق أوسطية عبر الإنترنت.

زبائن لاجئون في صيدلية ريبال ديب في فوبرتال في ألمانيا هم الذين كانوا مصدر إلهامه. سألوه أين يمكنهم العثور على مكونات طبق شرق أوسطي محبوب؟ أو نوع مفضل من الجبنة السورية؟
بعد عام من وصول ما يقارب مليون شخص، معظمهم من السوريين الفارين من الحرب، إلى ألمانيا في 2015، أدرك ديب أن الشوق إلى تذوق الوطن يقدم فرصة لتكوين شركة ناشئة.
قال ديب، الذي فر من مسقط رأسه في دمشق بعد أن دمرت صيدليته بسبب القصف: "ولدت سوق في ألمانيا بين عشية وضحاها. يمكنني أن أجلب الوطن لهم جميعا بضغطة زر".
بعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك، تجتذب سوقه للأطعمة الشرق أوسطية عبر الإنترنت، موزاييك Mozzaik، ما بين خمسة وستة ملايين زائر للموقع سنويا وتخدم 180 ألف عميل منتظم. صاحب المشاريع المذكور هو جزء من اتجاه واعد في ألمانيا: أظهرت دراسة أن المهاجرين وراء 26 في المائة من الشركات الناشئة في البلاد – أربع نقاط مئوية أعلى من حصتهم من السكان.
وفقا لبحث أجراه بنك التنمية KfW، أنشأ المهاجرون أيضا أكثر المشاريع الألمانية ابتكارا وتوجها نحو النمو. تراوح هذه من سوق موزاييك عبر الإنترنت إلى شركات التكنولوجيا المالية الجديدة الشهيرة، مثل رايسين Raisin، التي تسمح للعملاء بإيداع الأموال في البنوك في جميع أنحاء أوروبا وتحقيق عوائد أعلى، والشركات الناشئة ذات التكنولوجيا العميقة، مثل بيك peaq، وهي منصة إنترنت لامركزية مع شريك مؤسس من مالطا.
كانت مراكز الشركات الناشئة الأمريكية، مثل وادي السيليكون، معروفة بشكل خاص بمشاركة المهاجرين – أظهرت دراسات أمريكية أن أكثر من نصف شركات وادي السيليكون التي بدأت بين 1995 و2005 أسسها مهاجرون. لكن تقريرا صادرا عن مؤسسة كوفمان أشار إلى انخفاض بنسبة 8.5 في المائة في الأرقام منذ 2005، ما يعرض ما يجادل به بعض أصحاب المشاريع الألمان بأنه فرصة لدولتهم يمكن أن يستفيد منها المهاجرون البالغ عددهم 21.2 مليون مهاجر.
قال تاماز جورجادزه، أحد مؤسسي شركة رايسين التي جمعت 200 مليون يورو: "المملكة المتحدة والولايات المتحدة لا تستغلان فرصتهما بشكل كاف الآن. أعتقد أن لدى ألمانيا فرصة كبيرة لتحقيق نجاح حقيقي من سكانها المهاجرين".
ازداد الاهتمام الألماني بقصص نجاح المهاجرين منذ أن أعلنت هذا الشهر شركة بيونتيك، بالشراكة مع شركة الأدوية الأمريكية فايزر، أنها من المتوقع أن تكون واحدة من أولى الشركات التي تطرح لقاحا لفيروس كورونا في السوق. مقالات مليئة بالمديح سلطت الضوء على الجذور التركية للزوجين أوجور شاهين وأوزليم توريتشي، اللذين أسسا الشركة. تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صور طفولة محببة لأفراد عائلة شاهين الذين أتوا إلى ألمانيا بصفتهم عمالا مهاجرين.
لكن وراء الإنجازات البارزة، تبقى الصورة أكثر تعقيدا. تمثيل المهاجرين القوي في الشركات الناشئة دلالة على الجوانب الجيدة والسيئة لتجربة الأجانب في ألمانيا، التي غالبا ما ترتبط بصعوبات في العثور على عمل تقليدي.
كان من الممكن أن يسعى جورجادزه، الذي غادر مسقط رأسه جورجيا إلى ألمانيا في سن 16 عاما، إلى الحصول على وظيفة قانونية، لكن لن تكون لديه فرصة ليصبح قاضيا لأنه لم يكن مواطنا ألمانيا في ذلك الحين. عمل في شركة ماكينزي الاستشارية لمدة عشرة أعوام قبل أن يؤسس رايسين، وكافح في البداية للعمل ضمن مجتمع الأعمال الراسخ.
قال: "كان اسمي الأخير بالفعل حاجزا كان بعض الناس مترددين في تجاوزه، لأنه كان معقدا للغاية، ومن الواضح أنني أجنبي"، مشيرا إلى أن كثيرا من الشركات الألمانية التي تعود إلى عدة أجيال أنشأت شبكات يمكن أن يكون من الصعب على الأجانب اقتحامها.
يعاني المهاجرون أيضا مشكلة اللغة، والأهم من ذلك كله مع متاهة البيروقراطية الألمانية، التي يمكن أن تجعل من الصعب الاعتراف ومعادلة الشهادات الأجنبية – وهو عامل آخر يدفع بعضهم نحو تأسيس المشاريع.
قال بول فولتر، من جمعية الشركات الناشئة الألمانية، إن تمثيل المهاجرين في الشركات الألمانية الناشئة لا يزال منخفضا للغاية مقارنة بالدول الأخرى. جزء من هذا هو دلالة على حواجز عامة، مثل اللوائح الضريبية الضخمة والروتين في تأسيس الشركات، وهي حواجز لا تزال تمثل تحديا كبيرا لدرجة أن مركز الشركات الناشئة في برلين أنشأ مكتبا لمساعدة الشركات التي تحاول جلب موظفين غير أوروبيين.
ألمانيا لديها أيضا معدل من بين أسوأ معدلات الحراك الاجتماعي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تؤثر في المهاجرين بشكل خاص. قال فولتر: "هذا سم لاقتصاد الدولة، لأنه عندما يكون لديك قدر أقل من الحراك الاجتماعي، يكون لديك قدر أقل من الابتكار".
لكن يمكن للمهاجرين أيضا أن يكونوا أكثر تحملا للمخاطر من المواطنين المولودين في البلاد، كونهم قدموا تضحيات في كثير من الأحيان لمغادرة مواطنهم.
مستشار ألماني حذر ديب من أن خطته لديها فرصة 75 في المائة للفشل. لكن ديب ركز على الإمكانات: "هناك 27 مليون عربي ومسلم يعيشون في أوروبا. هذا قطاع ضخم من دون أي لاعب كبير يستهدفهم جميعا بشكل مباشر".
فريتزي كولر جايب، كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الألماني، قال لـ"فاينانشيال تايمز" في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إن المهاجرين مهمون لفتح فرص اقتصادية أوسع في ألمانيا: "المجتمع ككل يستفيد من نشاط المشاريع من قبل المهاجرين، لأنه يقلل من عدم المساواة".
يعمل مشروع ديب الآن على توظيف عشرات من اللاجئين العرب، وكذلك الألمان، في حين أن لدى جورجادزه فريقا مكونا من 350 شخصا من الألمان والمهاجرين من مختلف أنحاء العالم.
قال فولتر إن أصحاب المشاريع الأجانب يكافحون أحيانا لكسب اهتمام المستثمرين الألمان، الذين ينجذبون إلى رواد الأعمال من خلفيات مماثلة لخلفياتهم. هذه مشكلة لصاحبات المشاريع أيضا، وتدفع منظمته إلى التعهد بمزيد من التنوع.
يقول مؤسسون مهاجرون آخرون إن التحدي الرئيس أمامهم يتعلق أكثر بالحذر التقليدي لمشهد رأس المال المغامر الصغير في ألمانيا. فهؤلاء يظلون متشككين في المشاريع التي تركز على النمو قبل الإيرادات – وهو أمر ضروري لشركة التكنولوجيا العميقة الناشئة، بيك، التي توفر منصات لامركزية لإنترنت الأشياء وتطمح إلى أن تكون "وحيدة القرن" تكنولوجية.
لا يزال الشريك المؤسس المالطي، ماكس ثاكي، واثقا بأن قراره ترك الجامعة ومغادرة وطنه إلى برلين لتأسيس المشروع مع شركائه الألمان سيؤتي ثماره. جمعوا ثلاثة ملايين يورو حتى الآن، ويهدفون إلى جمع خمسة ملايين يورو أخرى. وعلى الرغم من أنهم يخططون للبقاء في ألمانيا، إلا أنهم الآن يبحثون فقط عن مستثمرين من الخارج.
قال: "المستقبل سيغير ألمانيا. لكن في الوقت الحالي، لا يمكننا التوقف والانتظار".

الأكثر قراءة